يعاني الشباب الموريتاني من فيروس البطالة الذي ينخره وأصبحت جيوش العاطلين تغزو كل إدارة تعلن الإكتتاب .
يجري هذا والاستراتيجيات التي إتبعتها الحكومات المتعاقبة تقف عاجزة ولم تتعدى البعد السياسي للتشغيل أما الواقع فتجيب عليه المسابقات. أحد الضحايا الشاب السالك ابراهيم التلمودي خريج جامعة لآنتا جوب بدار 2016 بشهادة ماستر في الإحصاء الذي ينطق من خلال المقال التالي بأصوات الآلاف من ضحايا البطالة من خلال المقال التالي :
يعاني الشباب الموريتاني من البطالة، ويطالب العديد منهم الدولة بتوفير اكتتاب لازم لهم، أو على الأقل، بفرص عمل أكثر تلبية لطموحاتهم واختصاصاتهم الجامعية، ومن ناحية أخرى تتنصّل الدولة من تلك المطالب، ويروّج بعضهم بأن زمن الوظائف قد ولّى، وعلى الشباب أن يقتحموا المجال الخاص ويقدموا مبادراتهم.
ويظلّ التساؤل: هل مسؤولية بطالة الكثير من الشباب تقع على عاتقهم، لافتقارهم لفهم روح اليوم الذي يعتمد على المبادرات والقطاع الخاص، أم على الدولة التي عجزت عن توفير فرص عمل لائقة؟
منذ اليوم الذي نجلس فيه على مقاعد الدراسة،تراودنا أحلام وردية بأننا سنكون في الحياة كذا وكذا،نسأل بعضنا البعض عن مهننا المستقبلية فيتنوع الجواب بين الطبيب والمهندس والأستاذ والمحامي والممثل وما الى ذلك من تلك المهن التي تقع عليها أعيننا على شاشات التلفزة وكراسى المدارس في نواذيبو.
نتقدم في العمر رويدا رويدا،فتبدأ أحلامنا تصغر شيئا فشيئا، نصل الى الدراسة الجامعية في نواكشوط، بمكناس المغربية ودكار، مثقلين بهموم ما بعد التخرج والويلات، فيتحول الشغل الى مجرد رزق أو تفوق وتنتحر أحلام الكثير منا لتصير مجرد أماني صغيرة ترضى بالفتات مقابل عدم التمدد على سرير البطالة الذي قد يقتلك ببطئ وأنت في عز شبابك..
كفانا بطالة و حالتك اليوم، تعني ان تستفيق متأخرا بمزاج سيئ .بعد ليل عتيد ركض فيه دماغك ألف دورة و دورة في بقاع الحيرة دون نتيجة، تبحث عن ذلك المفتاح الذي يفتح بوابات الأمل فلا تجده وتترقب ذلك الغد الغامض المجهول الذي لا يختلف بشيء عن واقعك الحالي،ليل طويل لا تنام فيه عينك إلا بعد إرهاق نفسي قد يصيبك بالاكتئاب الحاد ان لم تكن من ذوي الإرادات القوية..
كفانا بطالة و حالتك اليوم، تعنى ان تنتظر بشغف مواقيت صدور إعلانات الوظائف العمومية، فتسارع الى نسخ شهاداتك والى اخذ صور جديدة لك، تحاول عدم إقناع نفسك بصعوبة التوظيف بعد ان أقتصر الطلب على ثلاثة مقابل وجود آلاف مثلك يحلمون بمثل هذه الوظيفة، فالمهم عندك هو ان تجرب حظك وأن تجعل ضميرك يرتاح ولو قليلا بأنك فعلت ما عليك ورميت بالكرة الى الجهات المعنية..
كفانا بطالة و حالتك اليوم، تعني ان تنفض الغبار عن بذلة قديمة جعلتها خاصة بالمهمات الصعبة ،فتتوجه الى الشركات الخاصة راغبا في عمل تقول شهادتك انك كفؤ له،قد يكون حظك سيئا فتنتهي عند رجل الأمن الخاص المنتصب بالباب، وقد يكون حظك وافرا إذا سمح لك بالدخول يأخذ ملفك وتجيبك بتلك الجملة السحرية التي كانت بمثابة أول درس تعلمته في الشركة” من أين جئت وهل عندك قرابة بالفلان او الفلان وإذا كان جوابك لا فالمصير ملفك الى القمامة”..
كفانا بطالة و حالتك اليوم، ان تبحث في المواقع ومواقف الوظائف عن عمل، فتجد إعلانات تشترط شهادات خاصة معينة وسنين محدودة لم تكن تقوى حتى على التفكير فيها، وحتى ان رأف أصحاب الشغل بشهادتك المتواضعة،يضعون أمامك حائطا آخر اسمه التجربة التي لا يجب ان تقل عن سنتين،فمن أين لك بها وأنت الذي لم تجرب غير الحرمان والوساطة..
كفانا بطالة و حالتك اليوم.. تعني ان تدمى كرامتك وأنت تمد يدك الى أهلك منتظرا بضعة النقود كي تلبي بعض الاحتياجات الضرورية، تحس انه قد تحملك كثيرا وعندما حان الوقت لتخفف عنه لا زلت أنت أول من يستنزف أجره، وتعني أيضا عطالتك ان يبكي فؤادك دما وأنت تسمع صباح مساءا دعوات والدتك بان يفتح الله عليك أبواب الرزق بينما تنسد هذه الأبواب في وجهك تباعا، فينتحر الفرح في قلبك وأنت تقرأ في وجه والدتك ذلك الألم بتحطم آمالها بعدما كانت تتمنى ان تفاخر بك وسط العائلة والجيران..
كفانا بطالة و حالتك اليوم، تعنى ان يصير جسدك عالة عليك فلا تحضر المناسبات والتجمعات العائلية، وتحاول ما أمكن الاختباء عن أقربائك وأصدقائك ممن يلتقون بك فيبدأ حديثهم بالسؤال المستفز:”ماذا تفعل ؟”وينتهي بجملة “الله يوفق ان شاء الله ويسر مولان” وهي نفس الجملة التي يرددها الجميع لمتسول ما، كما لو انك صرت تتوسل العمل بعد دراسة مضنية وهو ما كنت تعتقد انه حق مشروع لك…
و في مقابل تلك الضغوطات، تروج الدولة الموريتانية لبرنامج تعهداتي للسيد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ومنه ” مشروع مستقبلى” يتمكن من الاستجابة للحاجات الشبابية، ومواجهة البطالة، و من خلال مناقشة إطار يتضمن إجراءات لإصلاح منظومة التعليم، بهدف ملاءمتها أكثر مع شروط سوق العمل.
بقلم / السالك ابراهيم التلمودي