إثر تعهد وكيل الجمهورية في نواكشوط الغربية بشكاية ضد ضابط وعناصر من الدرك الوطني، كَلَّف أحدَ نواب وكيل الجمهورية بالقيام ببحث ابتدائي حول الوقائع موضوع الشكاية، وذلك بصفته ضابطا ساميا في الشرطة القضائية (المادة 12 من قانون الإجراءات الجنائية)، يتمتع بجميع السلطات والصلاحيات المتعلقة بصفة ضابط الشرطة القضائية، المنصوص عليها في جميع النصوص القانونية (الفقرة الثانية من المادة 37 من قانون الإجراءات الجنائية)، وله الحق في القيام بجميع الإجراءات الضرورية للمتابعة والبحث (الفقرة الأولى من نفس المادة)..
وتم تكليف نائب وكيل الجمهورية الضابط السامي في الشرطة القضائية، بالقيام بالبحث الابتدائي في القضية تحقيقا لأهداف، منها:
ـ تجنب ما قد يحصل من تشويش في أذهان البعض ـ بمن فيهم الشاكي نفسه ـ إذا عهد بالبحث الابتدائي في القضية إلى ضباط شرطة قضائية من سلك الدرك الوطني، والمشكُوُّ منهم من نفس السلك..
ـ تجنب إحالة البحث إلى ضبطية قضائية أخرى موازية، وما يطرحه ذلك من إشكالات قانونية..
ـ إعطاء عناية خاصة للبحث نظرا لطبيعة الوقائع المعروضة في الشكاية..
ومن أجل القيام بإجراءات البحث الابتدائي في ظروف ملائمة، ومشابهة للظروف التي تجري فيها كل الأبحاث الابتدائية، ضمانا لحفظ سريته، خاطب نائب وكيل الجمهورية المكلف به قيادة أركان الدرك الوطني من أجل وضع مكاتب في قيادة أركان الدرك تحت تصرفه، على أن لا تكون مكاتب فرقة الدرك المختلطة، ولا مكاتب قيادة الناحية الغربية، وكذلك وضع أعوان شرطة قضائية من خارج الناحية الغربية تحت تصرفه للقيام بأعمال السكرتيرية بإشرافه، ووقع هذا بالفعل، فتم استدعاء المشكو منهم إلى المكان المحدد للقيام بإجراءات البحث معهم..
إذا: الأمر هنا لا يتعلق بانتقال نائب وكيل الجمهورية إلى مشتبه بهم للاستماع إليهم في مكاتبهم، وإنما يتعلق بالقيام بإجراءات بحث ابتدائي في مكان مختار لذلك، ملائم له، خارج مكاتب عمل المشكو منهم، يكفل حسن سير إجرءاته..
عندما يختم ضابط الشرطة القضائية السامي: نائب وكيل الجمهورية إجراءات بحثه، ويحيل المحضر والمشتبه بهم إلى وكيل الجمهورية، طبقا لترتيبات الفقرة الثالثة من المادة 36 من قانون الإجراءات الجنائية سيمثل المشتبه بهم ـ كغيرهم ـ أمام وكيل الجمهورية، من أجل الاستماع إليهم..
جميع الإجراءات والعمليات المشار إليها أعلاه، موثقة ومكتوبة، وتمت منذ الأيام الأولى لتسلم الشكاية المذكورة، وأريدَ لها أن تتم بعيدا عن الأضواء، كما يقضي القانون، واطلع عليها الرؤساء التسلسليون في النيابة العامة ووزارة العدل في الوقت المناسب..
بقي لي أن أشير إلى:
ـ أن مباشرة وكلاء الجمهورية ونوابهم لإجراءات البحث الابتدائي بالشكل أعلاه صلاحية ثابتة بصريح نص قانون الإجراءات الجنائية، وفِي السوابق منها حالات، أشرفتُ شخصيا على بعضها عند ما كنت نائبا لوكيل الجمهورية (الأعوام من 2005 إلى 2013)، منها حالة وقعت 2006، تتعلق بعنف من عناصر أمن ضد مواطن، قاد البحث فيها إلى إدانتهم..
ـ تَنَقُّلُ ضباط الشرطة القضائية السامون (وكلاء جمهورية ـ قضاة تحقيق) والعاديون (من الشرطة والدرك وغيرهم) إلى بعض المشتبه بهم في منازلهم أو مكاتبهم، أو أي مكان آخر، من أجل الاستماع والمعاينة والتفتيش يقع أحيانا، ويسمح به القانون (المواد 49 ـ 52 ـ 69 ـ 82 ـ 83 ـ 84 من قانون الإجراءات الجنائية)، وفِي بعض الأوقات تمليه ضرورات وظروف معينة تخدم البحث والتحقيق، على أن الحالة التي بين أيدينا غير هذه كما أوضحنا سابقا..
ومن الممارسات العملية الشائعة قضاء، قيام القضاة الجالسين بالتنقل إلى السجون لاستجواب بعض المتهمين، ثم قيامهم باستخراج متهمين آخرين إلى مكاتبهم لاستجوابهم، ولم ينظر إلى هذه الممارسة على أنها تضر بهيبة القضاء، ولا أنها تفوت حق المساواة لجميع الأطراف، إذ الإجراءات محايدة، كما يقول فقهاؤها..
ـ تعطي الفقرة الأولى من المادة 36 من قانون الإجراءات الجنائية، لوكيل الجمهورية فسحة بِـ اتخاذ ما يراه ملائما إزاء الشكايات التي يتلقاها، وتأسيسا على ذلك، وبضابط ما نفهمه من القانون، ونعلمه من السوابق، نفعل ما نراه ملائما..
هذا: مجرد توضيح للعموم، ليس ردا، ولا نقاشا، ولا جدالا، ولن يكون..
ولله الموفق..