كانت لجيكل – كما صورته رواية الكاتب الأسكتلندي روبرت لويس – سيطرة تامة على المستر هايد، يتحكم في لحظات ظهوره، لكنه أخذ يفقد تلك السيطرة مع الوقت، فيظهر المستر هايد في لحظات محرجة، إلى أن انقلبت الآية فسيطر هايد على نصفه الآخر جيكل..
والمستر هايد لمن فاتتهم الحلقة الأولى يمثل جانب الشر في شخصية الدكتور “جيكل” حسب الرواية.
اليوم يعود الدكتور الشيخ ولد حرمه في حلقته الثالثة من “المسار الحانوتي” مستسلما للمستر هايد، أو على الأصح مجسدا شخصيته الشريرة التي تسيطر في النهاية على جانب الخير في الرجل الدكتور (جيكل) في النسخة الموريتانية.
يبدأ الدكتور”هايد” الموريتاني حلقته الجديدة بالحديث عن دولة الفرد كما يسميها، ويتحسر بـنبرة لا تخفي التصنع: أخشى أننا “آخر دولة أفراد بقيت في هذا العالم المتوحش تنافسيا ومصلحيا.” بعد أن يقارن متهكما بين موريتانيا وجيرانها محدودي الإمكانيات ضاربا المثل بالسينغال ومالي وبنين، مستثنيا المغرب من المقارنة..
يقول الشيخ في نصفه الآخر قبل أن يستسلم صاغرا للمستر هايد في مقال بعنوان “المعارضة وأذان الديك” ما نصه: ” لم يفز الرئيس محمد ولد عبد العزيز في انتخابات نظمتها إدارته، بل في انتخابات نظمتها المعارضة الموريتانية نفسها، وبإشراف حكومة وحدة وطنية كان للمعارضة فيها نصيب الأسد، قامت نتيجة أول اتفاق موريتاني موقع بحضور ممثلي دول مجلس الأمن وجميع المنظمات العربية والإسلامية والدولية والقارية. وتم بموجبه الاحتكام للشعب الموريتاني الذي قال كلمته. ”
ويضيف في نفس المقال: “إن المعارضة الموريتانية تحاول استنبات القحط محل الربيع والازدهار، وتحاول زرع اليأس والقنوط مكان الثقة في النفس والحرية ومحاربة الفقر والفساد، وتنفيذ المشاريع.. والفوضى والعدمية مكان مؤسسة الدولة و شرعنتها وإصلاح نظامها المدني والتعليمي والصحي والتسييري لأن منطق الأشياء عندهم معكوس. فالحرية في قاموسهم فوضى والحوار إملاء والانجازات عدم، والفضيلة رذيلة والبياض الناصع سواد”.. واذكر ربك إذا نسيت.. ياشيخ هايد.. يتحدث المستر هايد في مساره الحانوتي طويلا عن قبيلة الرئيس، ويعدد كبار موظفيها، محاولة منه لتأصيل حديثه عن حكم الفرد، كما يسميه.
ويثني على الرئيس السابق اعل ولد محمد فال الذي رفض الانغماس “في هذه اللعبة القذرة”.
قبل أن يعرج على المقال المسيئ واصفا كاتبه بأنه نتاج للنظام القائم، مستهجنا طريقة خروج الرئيس للمتظاهرين الغاضبين وتعهده أمامهم بأن الدولة لن تدخر جهدا في حماية المقدسات، وهي نفس الصورة التي خرج بها أمام الجماهير الغاضبة من محرقة الكتب..
ويقول: “من منكم كان يتصور مشهدا كهذا في أرض المسلمين،.؟ لكن الذي لم يقع في هذه الربوع على مدى أربعة عشر قرن، و لم و لن يقع في بلد إسلامي آخر، وقع اليوم تحت نظام وحكم ولد عبد العزيز مدنسا به أرض الشناقطة العظام، أرض المرابطين الفاتحين. إنها حقا محنة و ابتلاء. نسأل الله تعالى أن لا يؤاخذنا بما فعله السفهاء منا.”
يرد الدكتور ولد حرمة بنفسه على ادعاءات الشيخ هايد اليوم فيقول في مقاله “لماذا يتأرنب الأسد” المنشور 2010 ما نصه: “أما في موريتانيا، فمع بحبوحة الديمقراطية والحريات التي يعيشها البلد، الكل يعرف أن الرئيس أعاد الهيبة والاحترام اللازمين للمؤسسة الدينية في البلاد: حارب الإرهاب بإذاعة القرآن الكريم، وطرد الصهيونية من البلد، وأطلق مشروعي مصحف شنقيط، وأكبر مسجد في تاريخ البلاد، ومجد العلماء و تم اكتتاب الأئمة، ، وإرسال بعثات الدعوة للدول الخارجية، وفتح الحوار الفكري مع التيار السلفي، واعتمد مقاربة الرحمة والإنسانية بإطلاق سراح السجناء السلفيين، و أعلن عن الانسجام مع الأهداف الكبرى للأمة الإسلامية مع التأكيد على التمسك بهويتنا و ثوابتنا كأمة مستمسكة بالعروة الوثقى.”
يستمر الشيخ هايد في نفث شروره، ويتحدث عن الاقتصاد ويزعم أنه: “ما دام الشعب الموريتاني لا يجد من الخدمات إلا عبثية “حوانيت أمل”الهزيلة المهينة، فبكل بساطة لا تذهب مداخيل الثروات والتمويلات وأموال الشبهات إلا في اتجاه واحد هو رجال أعمال الرئيس الجدد، وسماسرته في الخارج. ”
ولايجد المرء كبير عناء في الرد على هذه المزاعم فقد كفاه وزير الصحة السابق مؤونة الرد، حين يسرد من المدائح أطولها، في تعداد المنجزات الإقتصادية، فيقول مسترشدا بتقارير المنظمات الدولية إن “اقتصاد البلاد، وبشهادة صندوق النقد الدولي، حقق إصلاحات باهرة في جميع القطاعات بفضل سياسة محاربة الفساد، ورفع المداخيل وحسن التسيير، فضلا عن حزمة المشاريع في قطاعات السكن، والكهرباء، والمياه، والصحة، والزراعة، والبنية التحتية، والحالة المعيشية، والتنمية الشاملة.
لقد تم هذا الانجاز في وقت يتحقق فيه لفقراء موريتانيا ومواطنيها ما لم يحققه أي نظام في تاريخ هذا البلد. فبأي حق يقوم بعض السياسيين الموريتانيين بالسعي لتشويه الحقائق وقلبها بشكل فاضح وصارخ إلى حد يدعو للاشمئزاز”..”
فهل من المعقول أن تختفي كل هذه المنجزات بمجرد اختفاء اسم الدكتور ولد حرمه من قائمة مرشحي حزب الاتحاد للنيابيات، وتصبح الحرية فوضى والحوار إملاء، والانجازات عدما، والفضيلة رذيلة والبياض الناصع سوادا..؟
صحيح يا شيخ هايد أن”الي اختشوا ماتوا”..
سيدي محمد ولد ابه