محمد ولد إبّ ولد عبد القادر المعروف بـ “كادير” رجل قدت أعصابه من الفولاذ كان لايهاب الموت ولا يخاف المواجهة عاش من أجل الوطن ومات من أجله.
ولد سنة 1941 بمدينة النعمة بالحوض الشرقي، وفي سنة 1959 دخل كادير الجيش الوليد. ليتكون بـ مدرسة الفرسان في سومير، وتطوع سنة 1961، في أسراب المظليين في بو؛ عاد إلى انواكشوط سنة 1962 حاصلا على علامات جيدة وكلف باكتتاب البدو الرحل كجنود في كتائب الجمَّالة في عيون العتروس، ثم توجه بعد ذلك إلى دكار لتعلم فنون الاستطلاع، وعند عودته التحق بوزارة الدفاع، ليتم تعيينه ممثلا للمنتبذ القصي في لجنة الدفاع في منظمة الوحدة الإفريقية بأديس أبابا. وكان يبلغ من العمر حينها 22 سنة فقط.
عاد إلى فرنسا سنة 1963؛ حيث التحق بـ مدرسة تطبيق المشاة في سانت ميكسان (دو سيفر).
في الفترة ما بين 1964 و1968 عمل قائدا للمكتب الثاني في انواكشوط، وقائدا مساعدا للقيادة العسكرية بأطار، وقائدا لقيادة مدينة أكجوجت وقائدا للقيادة العامة بانواكشوط وقائدا للأسلحة مندوبا بانواكشوط، قبل أن يشغل في يوليو 1966، منصب حاكم منطقة بير أم اگرين فقام بتقديم طلب لدى قادته للسماح له بدراسة الطيران.
نجح في تمارين الاختيار المسبق وحصل على منحة إلى فرنسا؛ حيث تجاوز كل التدريبات التي ضمت شتى أنواع الطيران في أولنات كوناك وآرفور (Aulnat, Cognac, Arvor)
عاد سنة 1973 إلى المنتبذالقصي حاملا معه شهادة خبرة في الطيران، فتمت ترقيته استثنائيا إلى رتبة نقيب، وأصبح أول قائد للقوة الجوية.
سنة 1974 كتب إلى الحكومة وأقنعها بضرورة إنشاء قوة جوية حقيقية في بلد شاسع كالمنتبذ القصي، و قام باستيراد ديفاندير (الإنجليزية) وسكاي فان (الأيرلندية) وبوفالو (الكندية)، ثم سافر يوم 19 نوفمبر 1975 لمدة خمسة وأربعين يوما إلى ايرلندا واشترى طائرتين من نوع “سكاي” لتعزير سلاح الجو.
وفي 9 دجمبر 1975 حين هاجمت البوليساريو بير أم اگرين وإنال، أربك كادير بطائرته قوات البوليساريو التي تعرضت لخسائر فادحة خصوصا في “إنال” بالرغم من أنها كانت المبادر بالهجوم.
وفي الهجوم علي “لگويره” رصد كادير بطائرته ثلاث سفن كان تستعد لإسناد البوليساريو في الهجوم على لگويره فأبلغ عنها.
وفي 16 دجمبر 1975 توجه الي بُلنوار يحمل الذخيرة لقافلة الضابط ادينغ راوان، فشحن طائرته بالذخيرة عيار 81 وفي نفس الوقت كان يستطلع الطريق الذي ستسلكه القافلة.
17 دجمبر 1975 أنجز خطة للاستيلاء علي لگويره ترسم مخططا دقيقا تظهر فيه مواقع البوليساريو والسكك الحديدية وامكانيات فرار البوليساريو كما وضع خطة أخري لقصف لگويره بطائرة نقل وكانت المهمة حساسة وشائكة وقام مع النقيب ابراهيم ولد علي انجاي والنقيب أتييه بشحن 400 كغ من المتفجرات من نوع TNT من أجل تجربة العملية، ثم أقلع مع ترك الباب الخلفي مفتوحا وهو إجراء غير اعتيادي، وكان عليه اتخاذ الكثير من التدابير الخاصة مثل الحفاظ علي سرعة معينة وتلافي انحدار شديد في التحليق حتى لا يختل التوازن، واتخاذ إجراءات احترازية حتى لا يعرض الضابطين المرافقين للخطر، كما عليه التصرف برشاقة في كافة العمليات والبقاء علي اتصال مع الأرض. وفي النهاية تمت العملية.
عمل كاديرمع المقدم فياه ولد المعيوف والقوات المغربية، بهدف احتلال العرگوب والداخله، فتم تحرير العرگوب يوم 10 يناير 1976 وفي يوم 12 يناير 1976 حررت مدينة الداخلة.
في بير أم اگرين جرح الرائد محمد محمود ولد أحمد لولي الذي سبق أن عين كأول قائد للتجمع وقام كادير بنقل الرائد لولي للعلاج، وحل محله الرائد أحمد ولد بوسيف.
أما في البير وعين بنتيلي، فقد شنت البوليساريو هجوما عنيفا تركز -أساسا- على عين بنتيلي، مستخدمين مدافع هاون والمدرعات وقتل في هذا الهجوم الرائد سويدات ولد وداد، فجاءت الأوامر لكادير لدك مواقع البوليساريو في عين بنتيلي التي كانت محاصرة وتتعرض لقصف مكثف، وكانت الطائرات تحاول الهبوط لكن المدارج كانت هي الأخرى، تحت القصف من قبل البوليساريو.
سقطت عين بنتيلي في يد االبوليساريو، وأبلغ كادير عبر اللاسلكي قافلة النقيب إبراهيم ولد عالي انجاي التي تبعد ثلاثين كيلومترا عن عين بنتيلي بالعودة الي البير، أكمل كادير إعداد مهمته في البير، وسلم القيادة لحمود ولد الناجي، وتوجه إلى لعيون علي متن طائرة “مستير20” تابعة للقوات الملكية المغربية بعد تلقيه التعليمات من وزير السيادة الداخلية أحمد ولد محمد صالح الذي قدم من الرباط، ومن ثم الاتصال بالعقيد أحمد الدليمي قائد منطقة العمليات في الجانب المغربي من الصحراء وذلك من أجل تنسيق العمليات في الميدان والقيام باستطلاعات جوية من أجل تحديد بعض الأهداف في عين بنتيلي وتخطيط وتنفيذ عمليات مشتركة في الميدان مع الضابط المغربي النقيب با طالب صديق كادير الذي سمى ابنه باسمه.
قام كادير بتنفيذ المهمة في ظروف جيدة وشارك في مؤتمر صحفي مصغر حضره الرائد مولاي ولد بوخريص والعقيد الدليمي.
وعاد كادير إلى نواكشوط علي متن “بيتش اكرافت”، وتوجه إلى وزارة الدفاع صحبة مساعد قائد الأركان العامة الرائد معاوية ولد الطايع و النقيب با طالب وقدم تقريرا مفصلا حول التنسيق مع الجانب المغربي لوزير الدفاع محمذن ولد باباه الذي استقبلهم رفقة الرائد محمد محمود ولد أحمد لولي.
في 25 يناير 1976 جهز كادير طائرتين من القوات الجوية تمت برمجتهما لنقل الوقود إلى افديرك، وكانت الكمية 6000 ليتر في رحلتين، لكن كان لابد من التريث في مهمة كهذه.
في 26 يناير 1976، أقلع كادير بطائرة”سسنا” لنقل أسري من العرگوب، صحبة طائرة أخرى بقيادة الملازم أول طيار انجاي انجاك كريم الذي كان قان يقود الطائرة التي سقطت بولد بوسيف .
يوم 15 فبراير 1976 كان في رصيد كادير خلال أسبوعين فقط 53 ساعة طيران وهو ما يعطي فكرة عن كثافة الطيران الذي قام به في ظروف غاية في الصعوبة، يقول كادير في مذكراته :
لن أنسي ما حييت أيام 7 و8 فبراير 1976 عندما كانت المعارك الطاحنة تدور رحاها في “اگليبات الگليه “، وعندما كان الفيلق الأول يحاصر مؤخرة البوليساريو، في هذه المعركة استشهد الرائد ادينغ نذيرو.
ففي مساء الثامن فبراير 1976 قمت بالتحليق فوق ميدان المعركة وكان “الكَلب” تأكله النيران، هبطت الي جانب عناصر الدعم اللوجستي الموجودين علي بعد 400 متر من “الگلب” وكانت القذائف تتساقط في كل مكان، وبسرعة فائقة أنزلت شحنتين من الذخيرة (قذائف 105 مم) التي ينتظرها الجميع لأنه لم تبق لديهم إلا 4 قذائف فقط، وهكذا استعاد عناصرنا معنوياتهم وخسرت البوليساريو معنوياتها ولاذت عناصر دعمها بالفرار.
عندما قمت بالتحليق فوقهم علي ارتفاع منخفض جدا. بعد ذلك بخمس وأربعين دقيقة توجهت إلى نواكشوط مصطحبا 11 جريحا. وهكذا أنهيت عشر ساعات من الطيران قضيتها بين نواكشوط، شوم، أوسرد، افديرك، تشله، اكَليبات لكَليه وانواكشوط مرة أخري.
كانت معركة 8 فبراير 1976 خاتمة لعمليات البوليساريو في منطقة “آوسرد”، فالبوليساريو خسرت فيها الكثير من رجالها وعتادها: 70 قتيلا، 13 أسيرا، و10 سيارات وأسلحة وذخيرة، وكانت الخسائر من جانبنا قتيلين و12 جريحا. وتمت ترقية الملازم سيديا الذي أبلي بلاء حسنا في هذه المعركة الي رتبة نقيب بصفة استثنائية.
يوم 14 فبراير 1976 قام الفيلق الثاني بغطاء جوي من كادير بالدخول إلى عين بنتيلي دون قتال بحضور الصحافة الوطنية ومراسلي وكالة الصحافة الفرنسية.
في الهجوم على العاصمة صد كادير البوليساريو وكان له دور في ارباك قوات الولي.
فاتح مايو1977 تعرضت مدينة ازويرات لهجوم مباغت من البوليزاريو وأضرموا النار فى خزان الوقود واحتلوا القيادة المجمعة والملعب و أخذوا العمال الفرنسيين رهائن.
تجمعت القوات وقامت ثكنة فديرك بإغلاق طريق “گلب الشيباني” و”لعشاريات” وقام قائد سلاح الجو “كادير” بملاحقتهم بطائرته وأبلغ عن وجودهم عند “اگليب ادباغ ” ، أصدر هيدالة الأوامر بمهاجمتهم فعارض معاوية ولد الطايع قائد القطاع رقم “1” فى بير أم اگرين الهجوم خوفا على أرواح الفرنسيين وفى هذه الأثناء قدم العقيد امبارك ولد بونا مختار وقائد الأركان الحربية المقدم أحمد ولد بوسيف، واصدرا الأوامر بعدم المهاجمة، كان كادير يتعقب بطائرته القوات المهاجمة من خلال تتبع آثار السيارت ولوجوده على ارتفاع قريب تم اسقاط طائرته وانقطع الإتصال به، فبدأ هيداله وابريكه ولد امبارك البحث عنه ابتداء من “أمهيز الحاشي” وهي سلسلة الكثبان الواقعة في منطقة “لحمامي” حتى تم العثور علي حطام طائرته من طرف ابريكه على بعد كيلومتر غرب مرتفع يدعى “زملت ولد الديخن” و أخبر هيداله بخبر العثور على “كادير” ورفيقه أحياء فلم يتمالك الجميع دموعهم لمايمثله ذلك من أثر معنوي فى نفوس قوات الجيش.
رحم الله كادير رجل عاش من أجل الوطن ومات من أجله.
كامل الود
نقلا عن صفحة إكس ولد اگرگ