أحياناً يكون التّاريخ أملنا الوحيد لإنقاذنا ونحن ماضون بقوّة إلى ظلم أنفسنا أوّلاً قبل أن نظلم أوطاننا. وعندما يكثر حولنا المنافقون والمنتفعون الّذين يحجبون عنّا رؤية الحقيقة . منذ ثلاث سنوات عام 2014 كان الرّئيس البوركيني كومباوري بصدد تعديل الدّستور ليستمرّ في الحكم سنوات أخرى حيث لم يكتفِ بسبعة وعشرين عاماً من السّلطة والفساد! لكنّ شعب بوركينا فاسو المسالم خرج وملأ الشّوارع وجميعهم على قول واحد: “كفى..عليك أن ترحل”. وبعد اقتحام البرلمان والتّليفزيون غادر كومباوري القصر الرّئاسي مجبراً في 31 أكتوبر بعد أسبوعين فقط من الذّكرى السّابعة والعشرين لوصوله إلى السّلطة في 15 أكتوبر 1987! فقد كان نظام كومباري من أكثر أنظمة أفريقيا استقراراً حتّى كانت تلجأ إليه الدّول الغربية ليتدخّل لتسوية بعض النّزاعات في القارة السّمراء! ورغم ذلك ورغم طيبة ومسالمة الشّعب البوركيني كلّ هذا لم يمنع سقوطه. بعد سقوط كومباوري ذهب بعض الزّعماء الأفارقة للتّأكيد لشعوبهم أنّ مسألة تعديل الدّستور والبقاء في السّلطة غير مطروحة ولكن يبدو أنّ بعد ثلاث سنوات نسي بعضهم ما حدث! ليصبح عليهم أن يختاروا أن يكونوا عبدو ضيوف أو لوران باغبغو! في مارس 2000 خسر الرّئيس السّنغالي عبدو ضيوف الإنتخابات الرّئاسيّة أمام منافسه عبد الله واد ليترك له السّلطة سلميّاً ممّا حدا بعبدالله واد أن يقول إن ضيوف يستحقّ جائزة نوبل للسّلام، لينتقل بعدها ضيوف للإقامة في سلام مع زوجته في فرنسا ما تبقى له من العمر. في نوفمبر 2010 خسر الرّئيس الإيفواري لوران غباغبغو الإنتخابات الرّئاسيّة أمام منافسه الحسن وتارا لكنّه رفض تسليمه السّلطة متّهماً إيّاه بتزوير الإنتخابات! ممّا أدخل البلاد في فوضى وشبّه حرب أهليّة بين قوّاته وقوّات موالية للحسن وتارا إلى أن تدخّلت القوّات الفرنسيّة. وتقبض عليه في منظر مشين بملابسه الدّاخلية! وتسلّمه للجنائية الدّولية وتلحق به زوجته في السّجن بعدها بسنوات قليلة بعد الحكم عليها. لو رجعنا بذاكرتنا فلن يكفي حبر أقلامنا لتعداد أمثلة من أخلص ومن طغى، فكلّنا يذكر نهاية الرّئيس اللّيبي القذّافي. بعد كلّ هذه السّنوات في السّلطة، كيف مات مهاناً بالأحذية على عكس الرّئيس السّنغالي سيدار سنغور أو الرئيس الأديب كما يطلق عليه الّذي حرّر السّنغال من قبضة الاستعمار الفرنسي. وترك السّلطة طواعية عام 1984 ليتفرغ للأدب ليقضي بقيّة عمره كريماً مكرّماً رغم أنّ تجربة حكمه لم تكن شديدة المثاليّة وبالطّبع لا ننسى العقيد الرّاحل علي ولد محمد فال الّذي ترك الحكم بمحض إرادته بعد أقل من عامين من توليه السّلطة ويرحل بعدها عن عالمنا الفاني منذ أشهر قليلة ولا يزال يشعّ نوره حولنا! خلاصة الأمر أنّ هؤلاء الطّغاة وهؤلاء الّذين ظلموا واستبدّوا لحظة رؤيتهم لنهايتهم الّتي ستأتي مهما طال الزّمن سيذكرون سنوات السّلطة كأنّها مجرّد مياه عبرت!!
بقلم :الإعلامي المصري يوحنا أنور داؤود