ليس السياسي المغربي عموما بمعزل عن “الهوى الشباطي” الذي برز في تفكير مسموع للكاتب العام لحزب الاستقلال المغربي المتقهقر في الانتخابات المتتالية في المملكة المغربية. فلطالما طفت أوخبت فلتات ألسن هنا وهناك من ساسة وصناع رأي بل وصناع قرار مغربيين؛ ولقد عرف تاريخ البلدين موريتانيا والمغرب أجواء من التجاذب السياسي والتهييج الإعلامي حكمها ميزان القوى وسخنتها جروح الجيو- سياسة المتقيحة.
ذات مرة هاتفت مهندسا زراعيا مغربيا في مدينة سين لوي السنغالية وكان قد ربط بيننا صديق مغربي على أن نتعارف ونتعاون كمغتربين عربيين؛ فأصر في حديثه بالدارجة المغربية على جرَي للجغرافيا السياسية ولم يتمالك نفسه حتى قال لي بالحرف الواحد : نحن أسيادكم ! وطبعا كشفت إساءته إلى الشرفاء من الجالية المغربية الصديقة؛ وبدا مذهولا حتى ضاقت به الأرض بما رحبت وسعى للترضي والتراجع عن قوله؛ وعزله قومه حتى اضطر لإنهاء مهمته في السنغال قبل أوانها تحت ضغط العزلة التي عاشها بين مواطنيه.
“وموريطانيا” في نظر المغربيين أو المغاربة غير المنصفين والجهلة بالتاريخ والجغرافيا ظلت إقليما مارقا وجمهورية قيصرية خسروها في موجة الاستقلالات ولم يستطيعوا ضمها إلا بالتباكي على الأطلال.
وللحديث عن العلاقة الإدارية والسياسية بين الحكام والساسة في كلا البلدين طعم خاص؛ فيوسف ابن تاشفين القائد المرابطي العظيم الذي أسس مدينة مراكش رغم أنه تأسيس يعزى لخاله هو في الأصل ابن أخت المخلد (أبي بكر بن عامر المرابطي) دفين تكانت بالوسط الموريتاني؛ وقد ولاه على المغرب؛ ولكنه تبدل وانقلب على قائده وخاله في حادثة مشهودة حين استقبله في آلاف من الجنود ولم ينزل له عن فرسه ففهم حينها الخال أن الرجل يريد الاستقلال عنه وعاد أدراجه ليتابع فتوحاته؛ ولم يقل ورثة المرابطين من بعده إن ذلك حجة ليطالبوا بالمغرب ولهم الحق في ذلك.
ولم تكن رسائل القادة والعلماء الموريتانيين إلى سلاطين المغرب أيام كان اسم البلاد يتراوح ما بين بلاد شنقيط وأرض الملثمين والمنكب البرزخي؛ سوى إعلانات لبيعة لم تكتمل شروطها أبدا من وجهة نظر المؤرخين هناك؛ في حين يعتبر البعض الآخر إن جميل سدنة اللغة والفقه والسياسة ممن أنجبتهم موريتانيا لم يتسن رده حتى الآن.
يستحي صناع القرار السابقون واللاحقون من السياسيين أتراب “شباط” في المغرب من القول إن استقلال موريتانيا كان عن فرنسا وليس عن المغرب وأنهما خضعا لنفس الاستعمار دون أن يطرد أحدهما ذبابة عن الآخر؛ وأنهما كانا ولا يزالان بلدين إفريقيين عربيين مسلمين يعانيان من نفس المشكلات ويتقاسمان نفس الهواء ونفس الماء ونفس الماضي ونفس العقيدة ونفس التشكيلة العربية البربرية مع بعض الاختلافات.
أفرزت الدولة المغربية الوطنية سياسات داخلية وخارجية؛ منها ماهو ذكي وطموح ومنها مادون ذلك ؛ مثل العدالة الانتقالية وطي صفحة سنوات الجمر والرصاص؛ وقبل ذلك حرب الرمال والمطالبة بموريتانيا ثم الاعتراف بها والمسيرة الخضراء واتفاقية مدريد؛ والاتفاق مع البوليزاريو على وقف إطلاق النار بعد أن ظلت حركة انفصالية في نظرالمغرب؛ ثم قبل ذلك خروج المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية والإصلاحات السياسية الكبرى في زحمة الثورات الشعبية العربية وأخيرا نية العودة إلى وريث (الأو إي آ)الاتحاد الإفريقي.
ولكن المسكوت عنه في كل تلك السياسات الكبرى هو المشكل مع الجزائر والمشكل في الصحراء الغربية؛ الذين تشربت منهما السياسة الخارجية المغربية وطبعاها في محاورها الكبرى؛ وكلفا الدبلوماسية المغربية والدولة عموما الكثير والكثير.
موريتانيا الدولة الوطنية حافظت على روابط وشراكات استراتيجية مع المملكة المغربية ظل منحناها في تراقص رغم الحرص البادي في الرباط وانواكشوط على استمرارها ورغم مراحل القطيعة شبه التامة بل والتوترات الشديدة في الستينيات والثمانينيات والزواج العلني في النصف الثاني من السبعينيات.
يحتاج السكريتير الأول لحزب الاستقلال إلى الاعتذار للملك عن طعنه في السياسات الخارجية له ولأبيه وجده رحمهما الله قبل أن يعتذر للموريتانيين. فهم من اعترف بموريطانيا أوموريتانيا وتحالف معها وناصرها في تكتيكاتها وأسس معها اتحاد المغرب العربي ومنح طلابها ونظم معها مباريات كرة القدم وكرة السلة وفتح فيها سفارة واستقبل سفارتها في الرباط.
الوزيرالأول المغربي لعهدتين هو من الإخوان المسلمين وذاك شيء كان من المستحيلات ؛ وقد زاده الشعب المغربي ببضع وعشرين نائبا في البرلمانيات الأخيرة على حساب حزب الاستقلال المبعد من الحكومة بقرار شعبي؛ والمغاربة في الخارج حين يصوتون فإنهم يرتوون من نظرة ثنائية قبل اتخاذ القرار ، من خدمهم أكثر في العهدة المنتهية ؟ ومن يمكنه أن يقدم الأفضل لذويهم؛ فالهرم السكاني مقلوب والناخبون شباب في ثلاثة أرباعهم؛ والمغرب الجديد لم تعد تنفعه الزمجرة في خطب ود ناخبيه وشعبه. ولئن كان السي حميد قد حشر نفسه في سياسة خارجية هو عنها عم ولها مفعول به في الأساس فهو يحتاج أيضا إلى ألف هشتاگ وهشتاگ من طراز : كلنا شباط.
الكاتب: اسماعيل الشيخ سيديا