كتب الصحفي البارز بالتلفزيون الوطني أحمدو ولد أندهمر قصة طريفة حدثت له إبان متابعته للدراسة في تونس ، سرد من خلالها فى ثلاثة أجزاء ، العديد من المواقف الطريفة ، إخترنالكم منها الجزء الأخير ، حيث كتب ولد أندهمر:
بخطى متثاقلة ، وقلب وجلِِ ،وفرائصٓ ترتعش ،يعرُج المتهم أحمدو خلف قائده عبر سلم لولبي ،وشديد الإنحناءات في مِشية عسكرية ،سريعةِ الإيقاع وشديدة الركض الى الطابق الرابع ، حيث فصل الخطاب ، وحيث مكتب رئيس المركز….
وطيلة هذا المسار اللولبي الحاد النتوءات ،لم تمنع نوبة الغثيان والدُّوار القوية، المتهم أحمدو من أن يظل لسانه رطبا بالأدعية والأذكار الضارعة الى الحق سبحانه لكشف الغُمّة ودفع البلاء ،و إنهاء الكابوس….
وماهي الا لحظات ،حتى يصل ” الخصمان” الى مكتب رئيس المركز ،وتبدأ المراسيم الفعلية للآخرة !!!!
وو سط غيمة سوداء من أدخنة سجائر” أكريستال” المحلية ، بالكاد يتبين المتهم أحمدو قسمات وجه ،مُضيفه ….
ومع انقشاع الغيمة شيئا فشيئا تبدأ ملامح المضيف أي رئيس المركز تتكشف ،وتبدأ مفردات المكتب تظهر ….
سلاسل فولاذية معلقة، وأصفاد حديدية شديدة البياض ،حادة ” الأسنان” عالية الجاهزية واللياقة للعضِ على المعصم…..
يُسلم الضابط الوثائق الشخصية ،والتسجيل الصوتي للرئيس ،وينصرف….
يتمعن الرئيس في الأوراق ،ويقلبها ويُطالعها بالموازاة مع نظرات ” فنية” ومحكمة على المتهم المتسمر في مقعده جامدا ،وباردا كالحديد في عز الشتاء….
ويتكرم الرئيس بأولى بنت شفة ::: انتِ موريطاني !!! نعم يجيب المتهم …ثم ،يعود الى الأوراق ،ويضعها جانبا ،ويبدأ في الإستماع الى التسجيل…..
أين تسكن يسأل الرئيس ،يردو أحمدو في بنعروس ويضيف الرئيس ،هذا كلامك ، أنت أخوانجي ….يرد المتهم ،لا ليس كلامي ولست اخوانجي ، وبنبرة أقوى ، يردف الرئيس مالذي تقصد ،:: كيفاش مش صوتك هذا ؟ يرد المتهم بلى ! ،ولكنه لايُعتدُبه ،لقد سُجل مني وأنا تحت تأثير “سكر” مائدة الطعام ،ولم أكن صاحيا في تلك اللحظات ولامُركزا ، والآن أنا صاح ،واسمح لي بإعطائك الحقيقة …رئيس المركز : باهي ياسر أتفضل خوي…..ويسرد المتهم روايته للأحداث ،وعلاقته بالمساجد ، كما علمه ربه….رئيس المركز : ما السبب في زيارة هذا المسجد الذي يبعد عن مكان إقامتك أميالا وأميال؟ المتهم السبب واضح وجلي وهو المشاركة في مأدبة غداء الجمعة….رئيس المركز : مالذي يعجبك فيها …المتهم كسكسها ، وأرزها ،وبصلها وفومها،وعدسها وقثاؤها !!…رئيس المركز ::وخيال ابتسامة يلوح على وجهه: ….أتحب الكسكسي التونسي….نعم ،وأحب التونسيين يرد المتهم….
ثم يستعيد الرئيس نبرة التحقيق ، ويسأل المتهم أنت تصلي ،يرد المتهم : أحيانا !!! ،ثم يتراجع قليلا ،بإمكانك أن تعتبرني ؛ تقريبا لا أصلي ، نظرا للمشاغل الجمة ، والجامعة ،والمسافة الطويلة بين السكن ومكان الدراسة!!!( هو أتل خالگ الا لهروب)..
ثم يضيف لتعزيز حظوظه في النجاة ، وأضيفك معلومة حضرة الرئيس ،أنني مع إسلامي منفتح على الديانات الاخرى كدين نبينا عيسى وموسى عليهما السلام ،وأحفظ الكثير من الإنجيل ،والتوراة!!!
رىيس المركز ::: باهي هاتي سمَّعني أشوي من الإنجيل !!
المتهم::: “”ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ،بل بكلمة طيبة تخرج من فم الرب “”” سفر التكوين ،الإصحاح العاشر….إنجيل يوحنا….
باهي ياااااسر يقول الرئيس.. أنت خارق…!!!
وبحنكة الضابط المتمرس ، وصاحب الخبرة الطويلة في الميدان ، وبالقرائن المادية والمعنوية المتوافرة ، وبمكانة الموريتانيين في قلوب التونسيين ،يخلص رئيس المركز الى الإستنتاج التالي ، ويبُت في القضية ،وهذه المرة بنبرة أخوية ،وتعاطفية لم يسبق لها مثيل :
خوي أحمد ،الموريطانين ناس أملاح ، وأحن أنحبوهم ياسر ….وعندي لك ،وصية وطلب كأب وأخ أكبر حريص على مستقبلك: من الآن فصاعدا ، ابتعد ،كأجنبي عموما ، عن المساجد ،وعن موائدها ، والزم سبيل المحجة البيضاء هنا في تو نس. والتي لايزيغ عنها الا هالك.. بمعنى : من المسكن الى الجامعة ، أو دُورالتسليةِ والترفيه أوالتثقيف…،وأدعوك الى الصلاة فهي عماد الدين ،لكن في بيتك…مفهوم…مفهوم….
وإذا كنت مدمنا على الكسكي سأعطيك رقمي لتتصل بي متى ما شعرت بالرغبة فيه ، وأنا على أتم الاستعداد.،ويضحك ….
وبهذا الأسلوب المفاجىء ،وغير المتوقع ،من رئيس المركز ،وهذه العاطفة الصادقة ، “تنبجسُ”ُ دموع الفرح من ” المتهم” ساخنة ، تحرق المآقي !! …..ورئيس المركز ، يواسيه ويُهدئه….”” لا ..لا.. لا…يا ولدي ، لا تقلق أنت في بلدك الثاني ، ونحن التوانسة نُجِلُ ونقدر المور يطانيين….سنطوي من توّنا هذا الملف في المهد ، ولن يُسجل ٱسمكم في المحضر !!
،ولاتخف ،وامرح وأفرح على طول ،لن يمسك أي أذى… اليوم ولا بعد غد !!!
وبهذا الإيقاع الناعم والودي ،نطوي معكم آخر صفحات ، ” حدث في مثل هذا اليوم ” من ملفات سرية..
….وتنتهي القصة ..
تحيةٓٓ ….وألف تحية لتونس ،ولشعبها العظيم.
ودام الودُ ، و التآخي ، الموريتاني التونسي.