احتج ثلاثة من أكبر قادة المعارضة الموريتانية في مراسلات تبادلوها للتو مع رئيس شركة «كنروس غولد كوربوريشن» الكندية، على ما سموه «تلطيخ شركة تازيازت/موريتانيا المملوكة لشركة «كنروس»، مجدداً لصورة موريتانيا أمام العالم، والتضحية بمصالح الخزينة العامة في موريتانيا وبعملة موريتانيا الوطنية، وكذا على الإضرار بعائدات العمال الموريتانيين المباشرين وغير المباشرين».
ووقع رسالة الاحتجاج التي اطلعت «القدس العربي» على نصها وعلى نص رد رئيس الشركة الكندية عليها، كل من الرئيس الأسبق اعلي ولد محمد فال، وأحمد ولد داداه رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية وزعيم المعارضة، وصالح ولد حنن، رئيس المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة.
وتأتي الرسالة إثر تعليق شركة كنروس لنشاطاتها في منجم استخلاص الذهب الواقع في منطقة تازيازت شمال موريتانيا، احتجاجاً على قرار حكومي موريتاني بإيقاف عقود موظفين أجانب داخل طواقم الشركة غير مرخص لهم بالعمل على التراب الموريتاني. وعبر زعماء المعارضة الموريتانية الثلاثة في رسالتهم عن «استغرابهم لقرار تعليق استغلال منجم تازيازت» واعتبروا التعليق «قراراً مثيراً». وأضافت الرسالة «لم يفاجئنا القرار لأن الاستقامة ومبادئ الحكم الرشيد هي وحدها التي تضمن قيام علاقة صحية ومستدامة بين الشركاء، وقد غابت هذه القيم عنكم خلال السنوات الماضية، وكما توقعنا، لم يعد هناك مفر من الخلافات الحالية مع «أصدقائكم بالأمس».
وأكد الرؤساء الثلاثة «أنه لا مفر من العواقب التي لا تُحصَى لقرار تعليق استغلال منجم الذهب على الاقتصاد الموريتاني في المديين القصير والمتوسط»، وذلك قبل أن يخاطبوا رئيس الشركة بقولهم «تجربتكم في جميع أنحاء العالم وعلى مر العصور، يجب أن ترشدكم إلى أن حليفكم الحقيقي والأفضل والضامن لمصالحكم فى موريتانيا والوحيد الذي لا يمكن أن يخونكم هو – ببساطة – الشعب الموريتاني»، فاحترموا التزاماتكم تجاهه وسترون كيف سيسهر على احترام حقوقكم الخاصة وبكل دقة وصرامة، لأن مصالحكم ومصالحه متكاملة ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً، ولكم أن تتخيلوا أن هذا الشعب لا يريد أفضل من أن تقام على أرضه شركة قوية وناجحة تربح وتحترم القوانين والنظم التي سنَّها البلد بسيادة وشفافية».
«إنكم تتفقون معنا، يضيف قادة المعارضة الموريتانية، على أنه في السنوات الأخيرة، واستناداً إلى تصريحات صحف مرموقة مثل لوموند (فرنسا) وجلوب اند ميل (كندا)، قد اخترتم تجاهل موريتانيا وتشريعاتها وصلاحياتها فى مقابل ثقة زائلة ونفعية لحفنة من قادتها، فالمساهمون في شركتكم والشعب الموريتاني يدفعون الثمن اليوم، ونحن جميعاً ضحايا لهذا الوضع، فقد ضُربت الضيافة الموريتانية التقليدية فى الصميم، إلا أننا نعلم أيضاً أن الصفح هو إحدى القيم الأساسية للإسلام، ونحن ندرك في نهاية المطاف ما يمكن للشعب الموريتاني أن يكسبه من التعاون الصريح والشفاف مع مجموعة مرموقة بمستوى شركة «كنروس».
وأكد القادة الثلاثة «أن الشعب الموريتاني على استعداد للأسباب التي ذكروها، لفتح أذرعم لتسهيل إقامتكم وعملكم ومواكبة تطور شركتكم فى بلادنا، ونحن على استعداد، في مقابل نزع الثقة الفاسدة التي منحتموها للبعض منا، أن نقدم لكم الثقة الصادقة والكريمة لموريتانيا والموريتانيين في عظمتهم وتنوعهم وفخرهم واستقامتهم وتحضرهم، لكن أثبتوا لنا ببساطة أنكم قمتم بعملية التنظيف الأخلاقية اللازمة لهذا الغرض، وأنكم جاهزون للحظوة بهذه الثقة».
وفي نبرة تحقيقية، خاطب القادة الثلاثة المعارضون رئيس شركة «كنروس» قائلين «ساعدونا على معرفة الأمور التي جرت فى بلادنا والتي تشغل بال القضاة والمحأمين فى نيويورك وتورنتو، أخبرونا عمن منحتموهم عقودا غير مستحقة مقابل إعفائكم من الالتزام بقانون الشغل والقانون المنجمي الموريتانييْن، وعمن وزعتهم عليهم مكافآت مقابل تخفيف التزاماتكم الجبائية، وعمن منحتموهم مناصب شغل وهمية مقابل الاستفادة من مزايا غير مستحقة لدى بعض جيوب إدارتنا، وفي مقابل الرد على هذه الطلبات القليلة جدا سيستقبلكم الموريتانيون كأصدقاء ويعتبرونكم مستثمرين قدِمتم للإسهام فى تنمية بلادنا وانعتاق شعبنا».
وعبر القادة المعارضون الثلاثة في رسالتهم، عن شعور كبير بالصدمة «عندما علموا، حسب قولهم، «أن نظام الحكم الرشيد فى شركتكم قد لا يكون مثاليا، وأنه لم يتم احترام المبادئ التي تحكم سياسة المسئولية المجتمعية فيها، وأن محاكم فى نيويورك وتورنتو تتهمكم بالتضحية بحقوق ومصالح الشعب الموريتاني مقابل مصالح بعض قادته الحاليين».
«إن عقود التوريد والخدمات في السنوات الأخيرة، تضيف الرسالة، تُمنح فقط لصالح مقربين جدا من أول مواطن في البلد، وسياستكم لإدارة الموارد البشرية تعكس انحيازكم لمصالح بعض كبار مسؤولينا، وبناءً على هذا الواقع، تم تعديل وفائكم بواجباتكم اتجاه الدولة والشعب الموريتاني». وتحدث القادة الثلاثة في مقدمة رسالتهم عن اكتشافهم «لمكانة كنروس على الصعيد المنجمي العالمي حيث أنها شركة كبيرة، وخامس أكبر منتج للذهب في العالم، ومنتج مهم للنحاس والفضة، وتوفر قرابة 10 آلاف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة عبر العالم بينها أكثر من 97 ٪ لمواطني الدول التي تستثمر فيها».
«نحن الموريتانيين، تضيف الرسالة، نعرف ما يُمكن أن تمثله «كنروس- تازيازت» لاقتصاد بلدنا، ومن ضمن ذلك توفير لحوالي 2600 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة في بلد سكانه أقل من 4 ملايين نسمة، و كنروس أيضا هي ثاني أكبر مشغل غير الدولة فى موريتانيا، وهي تمثل متوسط رقم أعمال فى السنوات الأربع الماضية بلغ 430 مليون دولار سنويا في دولة بلغ فيها متوسط إجمالي الصادرات خلال الفترة نفسها حوالي 2.500 مليون دولار؛ وتفوق نفقات «كنروس» من العملة المحلية 60 مليون دولار في بلد يبلغ فيه احتياطي البنك المركزي حوالي 600 مليون دولار».
وأعرب ميشل سيلفستر رئيس شركة «تازيازت موريتانيا» في رده على زعماء المعارضة الموريتانية عن «أسفه لتعليق العمليات في تازيازت الذي يمكنه، إذا لم تتم تسويته بسرعة، أن يخلف أثراً سلبياً على موريتانيا على مستويات عديدة، بما في ذلك الجانب المتعلق بسمعتها الدولية». وقال «نحن متفائلون بشأن انتهاء هذا التعليق في وقت قصير بشرط تسوية قضية خطة للمرتنة مقبولة لدى الطرفين وفقاً للقوانين المعمول بها». «ونلاحظ بكل أسف، يضيف ميشل سيلفستر، أن لديكم معلومات مضللة حول الفساد المحتمل المرتكب من طرف «كينروس» في إطار نشاطاتها في موريتانيا، لقد اشترت كينروس شركة تازيازت موريتانيا المحدودة ش.م في 2010 ومنذ ذلك التاريخ، سعت تازيازت باستمرار إلى العمل وفقاً للقوانين المطبقة ولمدونتها للأخلاق والسلوك، بما في ذلك انتقاؤها للممونين الذي يخضع تسييره، فضلاً عن هذا، لإطار صلب من السياسات والإجراءات».
ونفى ميشل سيلفستر «تدخل حكومة موريتانيا في تسيير شؤون تازيازت وفقاً لهذا المناخ التنظيمي والقانوني، وتشعر كينروس بالسعادة بإتاحة الفرصة لها للاضطلاع بدور في تحسين مستقبل موريتانيا ومستقبل شعبها في الوقت الذي تحرص فيه بعناية على المحافظة على سمعتنا والتقيد بجميع القوانين المطبقة والمعايير العالية، بما في ذلك علاقاتنا مع ممثلي حكومة موريتانيا».
نقلا عن القدس العربي