يعيش المرء أول أمره غير معني بالموت .. يسمع الناس يموتون غير ان الأمر لا يحس به إحساس من ذاق تلك المرارة وذلك السم الزعاق …
يظن الموت شيئا بعيدا غير معني به وغير آبه به ..
لكن الموت عندما يصيب الأقربين يعرف المرء ذلك وليس من رأى وأحس كمن سمع …
يوم توفيت امى قبل ما يزيد على ثلاثين سنة
ظننت السماء أطبقت على الأرض والكون قد تزلزل والحياة قد انتهت و القيامة قد قامت …
كنت حينها فى منتصف العشرية الثانية من عمري
كنت حينها من عليه المعول فى الصبر من أسرتي الضيقة المؤلفة من شقيقى وأختي .
تلك الليلة لم ابغ العشاء وهل يبع العشاء من دفن أمه قبل قليل ؟
أتذكر اليوم قولة لأحد الصلحاء الأقارب هو ابن عمنا محمدنا ولد احمد بابو عندما قال لى ستتعشى من بعد ان لم تتعش الليلة وساراك من بعد كأنك نسيت ؟!
قيض الله لنا أما ثانية إنها خالتي عيش فال وما أدراك ما عيش فال ؟
لم تكن عيش فال الا كأختها توت لا فرق …لا فرق ….لقد رعت وربت وحنت .وعانت من أجل سعادتنا …
لقد تماهت الأم الأولى فى الثانية فنسينا اليتم والفراق …لم نحس انأ ولا إخوتي ما يحسه من فقد الأم وهو فى صباه …
وتمضى السنون … ونودع مام كما ودعنا توت
لكننا هذه المرة رجال.
ومع ذلك فإن فراقها كان حدثا عظيما وفراغا مؤلما ..
يظل المرء صغيرا ما دام أبواه سالمين حتى ولو بلغ من العمر عتيا …
عندما تغادرك الأم تفقد الحنان …تفقد من لا ينام حتى قدومك …تفقد من يرضى برضاك ومن يسخط لسخطك ..
ليس فى الحياة من يساوى الأم …
وأنى لأعجب لأناس ما زالت أمهاتهم أحياء كيف يزهدون فى هذه النعمة وكيف لا يقبلون تلك الجباه عتمة وصباحا ….!!
كانت أمي مام نموذجا لتلك الأمهات الولوهات بالأبناء ..تعد دقائق الفراق ساعات ..
وهانحن قد افترقنا ساعات وأعواما ولم نكن نسطع ذلك لساعات …وحتى يوم اللقاء … رحمها الله ..رحمها ما اتقاها .رحمها الله ما أكرمها ..رحمها الله ما احنها …
ودعنا الأم الثانية وتعشينا بعد ذلك كما تعشينا بعد الأولى …
وتمضى الحياة ….
كان فراق الوالد قد ولد عندى إحساسا آخر ..
انه الإحساس بأن الموت لا يفرق بين سيد ومسود
ولا بين عالم وجاهل ولا بين غني وفقير ولا بين رئيس ومرؤوس .
ان الإحساس الذى تولد عندى غداة نعيه ان المرء حديث وقصة ولقد كنت اسمع الوالد عليه رحمة الله يردد من مقطوعة ابن دريد
وما المرء إلا حديث بعده
فكن حديثا حسنا لمن وعى
فعرفت لماذا كان حريصا على فعل الخير..وبذل المعروف .فكان نموذج العلم والتقوى والورع ..
عرفت ذلك لأنه كان يعلم ان المرء ليس الا حديثا وحكاية وقصة ..
رحمها الله الجميع وجمعنا معهم فى عليين.
المرجع: صفحة المفكر والإمام د. الشيخ ولد الزين الإمام (فيسبوك)