هناك كثير من التشابه بين لبنان وموريتانيا، فكلاهما بلد عربي حكمته وتحكمت فيه طبقة سياسية وريثة لفرنسا، ولصيقة بها، ومتماهية لأبعد الحدود مع المصالح السياسية للإليزيه، وكلاهما ورّثت فيه النخبة الحاكمةخير البلاد ورقاب العباد لأبناء الحكّام، وأحفادهم وحاشيتهم الاجتماعية، وفي كلا البلدين لعبَ الجميع بالاختلافات العرقية والفئوية واستغلها لملء جيوبه وجرابه من المال الحرام في صفقات “الفساد بالتراضي”، مما أنهك الوطن وأتعبه وأوصله إلى حالة من اليأس والإفلاس والخراب.
وعندما تغيّرت أشرعة السياسة في هذه البلاد (موريتانيا) قبل بضع سنين، وبالتحديد، عندما أخذت الدولة ـ ولو نسبيا ـ بالضرب على أيدى الفاسدين ومصاصي الدماء برز لنا من بين أباطرة فساد الأمس “شياطين”بأثوابالقديسين اليوم، وشرعوا في اتهام غيرهم بما هم غارقون فيه حتى الأذنين.
ولأن الكذب لا يعترف بحدود أخلاقية أو منطقية، فلم يجد هؤلاء غضاضة في المبالغة والإيغال في اتهاماتهم التي طالت أعلى هرم السلطة، ولم تتوقف عند أصغر أفراد عائلته وأصدقائه وذويه الأقربين والأبعدين، فيما بدا أشبه باستهداف فردي وتصفية حساب شخصية مع محيط اجتماعي بعينه، ولا أدل على ذلك من إيقاظ هؤلاء “الواعظين” الجدد للنعرات القبلية ونبشهم للعصبيات الجاهلية، ونهشهم للحومالموتى والأحياء على حد السواء، في لطخة سوداء ستظل تسم جبينهم إلى الأبد، لأنهم بهذا يكونون قد كسروا الرقم القياسي في الافتراء وانعدام الضمير معا.
ولم يمنعهم افتضاح أكاذيبهم الواحدة تلو الأخرى، من مواصلة الكذب، بل والإمعان فيه حتى، فتارة يصفون منافسهم بمهرب المخدرات، وأحيانا يرمونه بالعجز عن أداء مهامه ـ ويحلفون على ذلك أيمانا مغلظة ـ وعندما يظهر سليما معافى، يستنهضون النزعات العرقية والقبلية لتأليب أتباعهم على إثارة الفوضى، وحين يفشلون في ذلك يتجهون إلى أفراد عائلته ليكيلوا لهم نصيبهم من الشتائم والبذاءات ويوزعون عليهم بسخاء نادر “إكراميات” التشهير والابتزازكان آخر حلقاته تلكالحملة الكبرى التي شُنّت على منظمة خيرية غير حكومية، يديرها نجل الرئيس، نصب لها هؤلاء محاكم تفتيشهم، ناسيين أو متناسيين آلاف المنظمات “الخيرية” التي تشحت ليل نهار من الداخل والخارج، من الغريب والقريب، دون وليّ أو رقيب .
وعندما فشل هؤلاء في إثبات أي تهمة ضد المنظمة الفتية، لم يبق لها من خيار آخر غير توزيع الاتهامات ،كما توزّع القطع الأرضية، فراحوا يمنحونكل فرد تهمة بحجم عقار ضخم، لا يمتلكون عليه من الأدلة والاثباتات غير صور غوغل الملتقطة عبر الأقمار الصناعية! ومن يعلم، فربما يطلع علينا هؤلاء في الأيام المقبلة باتهامات لنفس الأفراد بالاستيلاء على شقق فاخرة في المريخ دون سند عقاري، أو تمويل منظمة خيرية مشبوهة في جبال الأنديز! من يدري؟
المؤكد الآن أن الموريتانيين، على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم، قد ملّوا، وسئموا وضاقوا ذرعا بهذه الأكاذيب وهذه الشائعات، واكتشفوا الآن أكثر من أي وقت مضى حجم التلفيق والتزوير الذي تعتمده هذه الجهات بحق كل من يخالفها الرأي أو التوجه، تماما كما ضاق اللبنانيون ذرعا بعصابة القمامة التي تتحكم في رقابهم، والتي “طلعت ريحتها” لدرجة لم يعد معها الصمت ممكنا، تماما كما “طلعت كذبة” بعض معارضتنا، وبعض إعلامنا.
وعليه فلا تستغربوا أبدا، إذا طلع عليكم غدا آلاف الموريتانيين والموريتانيات، وصاحوا، ليس فيه وجه الحكومة هذه المرة، بل في وجه بعض المعارضين وبعض “الإعلاميين” ليقولوا لهم بالفم الملآن : #طلعت_كذبتكم!
بقلم محمد سعد بوه
الايميل /sadboue@yahoo.fr
الهاتف : 36589091