المقابلة الصحفية التي أجراها عضو حركة “صحراويون من أجل السلام” والمستشار بهيأتها التأسيسية، اسماعيل ولد الليلي مع صحيفة “المرآة” الإلكترونية.
علمنا مؤخرا بظهور حركة جديدة بإقليم الصحراء الغربية، أطلقت على نفسها “حركة صحراويون من أجل السلام”، وهي إطار سياسي وليد تم الاعلان عنه في الثاني والعشرين من أبريل/نيسان المنصرم، واستحوذ خبر إعلانها على اهتمام الرأي الإقليمي والدولي.
المستعمرة الإسبانية السابقة، لازالت قيد نزاع طرفه جبهة البوليساريو التي تنادي بإستقلال الإقليم والمملكة المغربية التي تعتبر الصحراء الغربية جزء من أراضيها، ساهم إتفاق وقف إطلاق النار 1991، في تهدئة النزاع ودخول الطرفان عملية السلام، لم تحل بموجبه إلى اليوم. هذه القضية، وهي ليست في معزل عن الوضع العام، الذي يعيشه مجال الساحل والصحراء، وتمثل عقبة كبيرة أمام إندماج الدول المغاربية، نظرا لتعقيد أزمة ملف الصحراء الغربية.
تعرف الحركة الناشئة نفسها، على أنها تيار سياسي جديد مستقل، يسعى إلى كسر النموذج الشمولي والراديكالي القديم للبوليساريو، ويطمح الى تمثيل كافة الآراء والحساسيات المعبر عنها داخل الصحراء الغربية التي تعبر عن مختلف مكونات المجتمع الصحراوي، خاصة تلك التي لا تجد نفسها ممثلة في مواقف وممارسات البوليساريو، ومشاريعها السياسية أو منطلقاتها وخلفياتها الايديولوجية.
كما تؤكد الحركة تمسكها بـالرهان على الحلول السلمية، للتوصل الى حل سياسي عادل متوافق عليه، من شأنه أن ينهي مشكل نزاع إقليم الصحراء الغربية.
وتوضيحا لطموحات وأهداف الحركة الجديدة، أجرت “صحيفة المرآة ” حوارا صحفيا مع عضو الحركة والمستشار بهيئتها التأسيسية إسماعيل ولد الليلي، فإلى نص الحوار:
– بداية ماهي الظروف والدوافع التي دفعت بكم الى تأسيس حركة صحراويين من أجل السلام؟
إن المتتبع لقضية الصحراء الغربية يرى جليا الوضع السياسي المتأزم الذي تمر منه، خاصة على المستوى الدولي، فإذا ما أخذنا بعين الاعتبار الانسداد السياسي الذي يعرفه مسار الملف، فلا يوجد أي مخرج للأزمة أو أي أفق للحل.
ولم يتم تعيين أي مبعوث شخصي للأمين العام في المنطقة منذ إستقالة السيد هورست كوهلر، ولم يحدث اي تقدم يذكر طوال فترات المبعوثين الخمس السابقين، مايعني ركود تام وفشل للجهود الرامية الى حل النزاع.
واقع سياسي مأزوم له تداعياته على المستويين الإنساني والإقتصادي، هناك حالة إمتعاض وسخط شعبي عارم نتيجة هذه الوضعية خاصة على مستوى مخيمات اللاجئين الصحراويين التي تعاني عجزا وترديا كبيرين في تدبير الشأن العام.
أما على المستوى الداخلي، فقد كانت محطة المؤتمر الخامس عشر المحطة الفاصلة في إنخراطنا في هذا المشروع السياسي، حيث ثبت لدينا غياب أي أمل في إمكانية إحداث تأثير أو إصلاح من داخل صفوف البوليساريو، فجميع المبادرات السابقة كانت تصطدم بتعنت القيادة التي رفضت كل دعوات الحوار والمصالحة.
فعلى ضوء مخرجات المؤتمر، والنتائج المتمخضة عنه، بات جليا أن نظام البوليساريو الذي احتكر تمثيل الصحراويين طوال العقود الخمسة الماضية، استنفذ كل طاقته وأضحى فاقدا للمصداقية، رافضا لأي أفكار ومبادرات جديدة من شأنها أن تساهم في إصلاح الوضع الداخلي.
لقد ثبت أيضا فشل قيادة البوليساريو في تحصين فضاء فعلها وممارساتها أخلاقيا، لا سيما ضلوعها في إنتهاكات جسيمة لحقوق الانسان في مخيمات اللاجئين. ضف الى ذلك التراجع المسجل على مستوى تدبير النزاع.
فشل ذريع على مستوى جميع الأصعدة، هذه الأحداث مجتمعة أدت إلى انتفاء شرعية البوليساريو والى تقويض مكانتها كممثل وحيد للصحراويين.
أما اليوم، وبعد نصف قرن من الإنتظار، والمعاناة والآلام، الى جانب إنسداد الآفاق وإهدار الفرص الهائلة، فقد بات الوضع يتطلب منا اتخاذ قرار جريئ وشجاع، دفع بنا الى إعادة النظر في مسار الوضعية برمتها وإتخاذ قرار حاسم بالإعلان عن تأسيس حركة “صحراويين من اجل السلام”.
– كان لحدث الإعلان، صخبا إعلاميا كبيرا لدى وسائل الإعلام الدولية، كيف ترون تعاطي الشارع الصحراوي مع حدث إعلان تأسيس الحركة؟
جاء إعلان تأسيس حركتنا في حد ذاته ثورة على المضامين الفكرية القديمة والإقصائية للبوليساريو، فقد كانت بمثابة صدمة لقيادة الجبهة، فبميلادها أسالت حبر صحف عالمية كبرى، وأستهوت كبريات وسائل الإعلام بخطابها وفكرها الجديد الذي ينبذ كل أشكال العنف والإقصاء ويؤمن بضرورة إيجاد حل سلمي، من شأنه إنهاء معاناة الصحراويين بحل يستجيب لتطلعاتهم وأمالهم.
لقد جاءت الحركة بخطاب يرفض الاقصاء، ويؤمن بامكانية الوصول إلى الهدف المنشود المتمثل في تحقيق السلام، لتكون الحركة هي الجسر الذي من خلاله يمكننا العبور إلى أهداف كبرى، وهي رفاهية وكرامة الفرد الصحراوي.
حقيقة لابد لنا أن بالإعترف أن الإبقاء على هذا الوضع الراهن قاتل للصحراويين، لذا كان تعبيرهم بإنخراط العديد من النخب والاطر الصحراوية، من خلال إجتماع كيمياء نوعية من نخب يعول عليها للمشاركة في بلورة حلول وتصورات ومبادرات جديدة عبر إندماجهم في سيرورة الفعل النضالي، أملا في إنهاء حالة المعاناة لتحقيق أهداف ومبادئ “صحراويون من أجل السلام”.
الحركة التي شكل ميلادها خارطة طريق صوب الامل، لإيجاد حل نهائي للمشكلة الصحراوية، عبر العمل الجاد بواسطة المشروع الجديد الذي يلم مختلف التوجهات والأطياف السياسية لسكان إقليم الساقية الحمراء ووادي الذهب.
أفكارٌ وخطابٌ جديد يحملُ غصنَ زيتونٍ ولغة سلام من شأنه أن يخرج شعبنا من النفق المظلم للمضي قدما لتحقيق الكرامة والحرية والإزدهار.
– أرى أنك صوت شاب داخل هذا الأطار السياسي الجديد، كيف سجلت تنامي هذا الوعي الشعبي خاصة لدى أوساط الشباب الصحراوي
عدى عن كون الحركة تمثل تيارا مستقلا لايتأثر بتبعات التاريخ ولا باستقطابات الحاضر، كان للنقاش العمومي دور كبير داخل المجتمع الصحراوي في ترسيخ الإيمان بحجم المسؤولية الملقاة على عاتق الجميع في إنهاء حالة الأزمة.
فنتيجة مراحل مطولة من النقاش والحوار العام وتقييم الواقع الذي يعيشه الصحراويين عموما، وتدارسه وإمكانية حله، بما يرجع بالنفع على الصحراويين، لقد تمت ترجمة ذلك على أرض الواقع بتوالي الإنضمامات والإنخراطات داخل الحركة، بالقبول بكل التوجهات والحساسيات المعبر عنها لدى الصحراويين.
إستطاعت الحركة الإستجابة لمطالب أصوات الشباب المتنامية المعبرة عن الإمتعاض من تكريس واقع اليأس وفقدان الأمل وعن الرفض لكل أشكال الإقصاء والشمولية.
أضف إلى ذلك دعوة الهيئة الأممية والمنتظم الدولي إلى إشراك الشباب والنساء في نهج مقاربة تشاركية للبحث عن حل وكان ذلك بإستقبال المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء الغربية كرستوفروس للمجتمع المدني والنشطاء الحقوقين من الشباب والنساء.
نربوا ونحن شباب الصحراء الغربية ومكون مهم داخل الاقليم، الذي سيقود يوما ما المراحل القادمة، أن تتاح لنا الفرصة، في أن نعبر عن طموحاتنا في إنهاء هذا الملف الذي عمر طويلا، فبإستطاعتنا تقديم رؤى مغايرة للدفع بجهود السلام والمشاركة السياسية الهادفة والرامية إلى إيجاد حل للمشكلة الصحراوية، ومقدمة لمعالجة سيل الإشكالات التنموية والإجتماعية والإقتصادية للصحراويين داخل الإقليم، وإنضمامنا هذا كان سلوكا طبيعيا، يستجيب لإرادتنا الملحة في وضع حدة للمأسآة والالام التي يعانيها شعبنا، وبصفتي صوتا شابا داخل الحركة لي الشرف أن أكون مدافعا عن تطلعات الصحراويين وأمالهم وأحلامهم بواقع أفضل.
– اعلان الحركة صاحبه نقاش عمومي صاخب في الأوساط الصحراوية، الملاحظ هو ان الكثير من المناصرين للبوليساريو بدؤوا يتخلون عنها هل الامر كذالك؟
حقيقة بالنسبة لي بادئ الامر كان الإلتفاف حول جبهة البوليساريو في سنواتها الأولى إبان الاستعمار الاسباني، بمثابة الأمل لطيف واسع من الصحراويين، قدموا من خلالها تضحيات جسيمة، كان الهدف الأسمى هو حفظ وحدة المجتمع وصون كرامته…
لكن سرعان ما حشرت القيادة السياسية للبوليساريو نفسها في الزاوية طول 30 عاما من مسار التسوية بخطابها المتجاوز، لم يعد لديها ما تسوق له من إنجازات وإنتصارات سوى تلك التي تعود الى حقبة القرن الماضي، والتي تحققت على حساب دماء وصبر وتضحيات الصحراويين، في حين كانت قيادة البوليساريو تعكف على إهدار الفرص، وتسجيل النكسات والإخفاقات الواحدة تلو الأخرى.
بعد الاعلان عن تأسيس الحركة مباشرة تعرضنا فعلا لموجة من التشهير والشيطنة للغاية وتم إطلاق حملة مكثفة للتشهير والتضليل على مواقع التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام،
على أصحاب هذا التوجه تحمل مسؤوليتهم التاريخية بتهديد السلم والأمن الاهلي والمجتمعي، ووجب على كل متعصب أن يؤمن بالإختلاف وإحترام شركاء الوطن مهما كانت توجهاتهم.
لكن الأهم بالنسبة لنا، هو إخراج شعبنا من النفق المظلم، وفتح المجال له للتمتع بعهد جديد يسود فيه السلام والأمان والرفاهية والكرامة.
– إنطلاقا من مبادئ وأهداف حركتكم كيف تنظرون إلى جبهة البوليساريو وماهي تصوراتكم السياسية بخصوص النزاع الصحراوي؟
في إعتقادي على البوليساريو ان تعترف بوجودنا كأمر واقع باعتبارنا شريك في العملية السياسية في الصحراء الغربية، فمن واجبنا جميعا العمل لإيجاد حلول عاجلة للأزمة الراهنة وإنهاء المعاناة.
نرى أيضا أن الأطراف والجهات المعنية بالنزاع وفي مقدمتهم المغرب والبوليساريو، الى جانب الجزائر وموريتانيا واسبانيا وبقية المتدخلين كدول أصدقاء الصحراء الغربية، جميعهم لهم دور كبير في إنجاح الوساطات والمساعي الدولية الحميدة، وتقريب وجهات النظر في ما بين الأطراف، وتقديم مقترحات الحلول، ورسم تصورات من شأنها إنهاء حالة النزاع القائمة في الاقليم.
بالنسبة لرؤية الحركة، فقد جاءت بخطاب مرن ومتوازن، يراهن على مقاربة عقلانية وواقعية، تروم إنقاذ ما تبقى.
فالحركة تؤمن بالحل السياسي المتوافق عليه، الذي يستحضر كافة الاهتمامات المعبر عنها لدى الصحراويين، داخل إطار الوسائل السلمية، حل مشرف يستجب لتطلعات وآمال كل الصحراويين في غد مشرق.
يجب التفكير أيضا في خطط لإعمار المنطقة، وطرح مشاريع تنموية وإنشاء بنى تحتية اقتصادية واجتماعية، كما يجب استحضار قيم الديمقراطية وحقوق الانسان بما يحقق كذلك عودة اللاجئين الصحراويين في ظروف تضمن لهم الحرية والكرامة.
– ماهي خطة عملكم الحالية للخروج من أزمة الجمود التي تعيشها هاته القضية طوال عقود؟
إيمانا منا بضرورة إنهاء حالة المعاناة وإنهاء حالة النزاع القائم في المنطقة، سنعمل على طرق كل الأبواب لأجل تحريك المياه الراكدة والعمل الجاد والبناء لأجل حث المجتمع الدولي والأطراف المراقبة في سبيل وضع حد لهذا المشكل المتفاقم الذي طال أمده.
سنعمل على مراسلة جميع الهيئات والمنظمات والقوى السياسية والحكومات الدولية، وبالمناسبة فقد وجهنا بالفعل، رسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وإلى الأطراف والجهات المعنية بالنزاع في مقدمتها المغرب والجزائر وموريتانيا واسبانيا والإتحاد الأوربي، إلى جانب مراسلة قيادة جبهة البوليساريو، لحثهم جميعا على دعم جهودنا الرامية الى تحقيق السلام في المنطقة، وزرع قيم التعايش والحوار في المجتمع الصحراوي، ولأجل السعي إلى تحقيق خروج مشرف وكريم لشعبنا من هذا النفق المظلم.
– كيف رصدتم موقف موريتانيا سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي؟
لا بد من التنويه بالموقف الموريتاني الرسمي الذي لطالما ساند الجهود الدولية الرامية الى إيجاد حل ينهي معاناة الصحراويين، كما ينبغي الاشادة أيضا بالجهود الجبارة التي تبذلها موريتانيا على المستويين الاجتماعي والثقافي، خاصة في ما يتعلق باحتضان الصحراويين، وتسهيل إقامتهم، فموريتانيا هي العمق الثقافي بالنسبة لمجتمع البيظان قاطبة.
في حقيقة الأمر نحن نعول على موريتانيا بموقعها السياسي باعتبارها دولة معنية بقضية الصحراء الغربية، وبموقعها الاجتماعي والثقافي أيضا كبلد مجاور يجمعه مع الصحراويين الكثير من الروابط، وفي هذا الإطار بعثنا برسالة الى معالي وزير الخارجية اسماعيل ولد الشيخ أحمد، في انتظار الانفتاح قريبا على كافة المكونات الفاعلين السياسيين الموريتانيين الذين يهمنا إطلاعهم على رؤيتنا وتصوراتنا بخصوص قضية الصحراء الغربية، و التي نرى أنهم يتشاركون معنا في الحرص على تجاوز الوضع السياسي القائم فيها، كما يهمنا الاضطلاع على وجهات نظرهم بخصوص سبل التوصل الى الحل السياسي الذي ينهي النزاع ويحقق السلام في المنطقة.
– هل هناك أي إضافة أو رسالة تريد توجيهها…
كلي يقين من أن هذا التنظيم السياسي الوليد، لديه فرصة كبيرة لإنقاذ شعبنا وإنهاء المعاناة، وحالة الشتات واللجوء الأبدي، وتحقيق السلام في المنطقة، وانطلاقا من هذه الفرصة التاريخية، أدعو جميع الصحراويين، في جميع أماكن تواجداتهم داخل الإقليم أو خارجه، إلى المشاركة في تحقيق هذه الأهداف النبيلة، قصد المشاركة العامة دون أي استثناءات من أي نوع، متحملين جميعا هذا التحدي الهادف إلى الكفاح من أجل حرية وكرامة ورفاهية شعبنا وإنهاء هذا الصراع إلى الأبد…