لا شك أن مدينة نواذيبو، بجمالها الطبيعي وموقعها الاستراتيجي، تُعدّ أحد أهم الركائز التي يمكن أن تخدم أي سياسة اقتصادية أو سياحية في بلادنا. فهي مدينة تختزن مقومات واعدة، وتختصر الكثير من الآمال والطموحات. غير أن الواقع، بكل أسف، يُظهر أن نواذيبو قد خَدَمت ولم تُخدَم؛ وهذه نتيجة المعادلة الصعبة بين المدينة وبين من تعاقبوا على إدارتها وصياغة سياساتها.

سيدي الرئيس،
ما دمتم قد أعلنتم تبنّي سياسة سياحية داخلية، فإن نواذيبو يجب أن تكون التجسيد الأمثل لتلك الرؤية. فهذه المدينة لا تحتاج سوى إلى إرادة جادة، ورؤية تنفيذية، حتى تتحول إلى قطب سياحي واقتصادي بارز في المنطقة.
بالمناسبة، قُدِّمت رؤية حول عصرنة المدن، وهي رؤية تستحق أن تُترجم على أرض الواقع، ليس في نواذيبو فقط، بل في كافة ربوع الوطن، لأن العصرنة لم تعد ترفًا بل ضرورة لخلق بيئة حضرية صالحة للعيش، وتحفيز الاستثمار، ورفع جودة حياة المواطنين.
كما قُدِّمت استراتيجيات واضحة للمنطقة الحرة وغيرها من المشاريع الكبرى، ما يؤكد وجود تصورات طموحة تنتظر من يُفعّلها بإخلاص وكفاءة.
وفي هذا السياق، يحضرني قول الأمير سيد أحمد العيدا، الذي عبّر عن صبر الشعوب وانتظارها في “أگْطاعْ ” خالد:
امْحَمّل لطلبْ معلُومْ**
هُـونْ امْجِيهْ اليومْ أُومَعْلُومْ**
بِيهْ، أعلْ أنْ ماهْ مَلْيُومْ**
أعلِيهْ، أُولاهْ أمْجْ هَبْطَ**
هُمّ.. هُمُّ يُصْلَحْ وأعلُومْ**
أنْ يُصْلَحْ لُ بالظَّبْطَ**
وأمْنَادِمْ هُمُّ هَمْ اليومْ**
ما يَعْجَلْ گَاعْ أُولا يَبْطَ**
فردّ عليه الشاعر الكبير محمد ولد هدار قائلاً:
هُمّ فيكْ ألْ دايِرْ جِيتْ**
بِيهْ أمْعَدّلْ لَكِانْ أمْشِيتْ**
وَلانْ گَايِلْ عَنْ ضَنِّيتْ**
أَعْلِيكْ أخْبَارْ مُرْتَبِطْ**
أَعْجَلْ بِيهْ اصْ كَانْ أبْغِيتْ**
وَبِيهْ اصْ كَانْ أبْغِيتْ أَبْطَ**
هذا ” لگْطاعْ ” يعبّر عن العلاقة بين الحاكم والمواطن، بين الأمل والتأجيل، بين المبادرة والانتظار.
لا شك أن الثقافة المحلية تلعب دورًا مهمًا في تحفيز المواطن على الصبر والتفاعل مع واقع المدينة. فالثقافة ليست مجرد كلمات وأهازيج، بل هي مرآة لوعي المواطن وجدار يحتمي به حين تضيق به السبل. وما دام من يكتب أو يصرخ لا يجد آذانًا صاغية، فإن خطر فقدان الأمل يتعاظم، ويصبح المواطن أكثر ضعفًا في مواجهة التحديات.
سيدي الرئيس،
إن أعظم استثمار يمكن أن يُقدَّم لهذا الوطن هو بناء المواطن، وتعزيز روح المواطنة لديه، وإشراكه فعليًا في صناعة قراره ومستقبله. المواطن الذي يشعر بأنه شريك في بناء وطنه، هو من يدافع عنه في الأزمات، ويحمي مكاسبه في المحن، ويزدهر معه في زمن الرخاء.
فرجاءً، اجعلوا المواطن في قلب السياسات، وامنحوه الكلمة، وأفسحوا له المجال ليكون فاعلًا لا مجرد متفرج. وأضعف الإيمان أن يُسمع له، ويُؤخذ برأيه حين يتكلم بصدقٍ وحرقة.
نواذيبو لا تطلب المستحيل، بل تطلب أن تُرى بعين الإنصاف، وأن تُعطى مكانتها المستحقة في قلب مشاريع التنمية الوطنية.
Monsieur le Président,
Quand verrons-nous l’ancrage d’une culture de gouvernance équitable, fondée sur un principe clair et incontestable : l’administrateur est au service du citoyen, et non l’inverse ?”
عاشت موريتانيا،
وعاشت مدينة نواذيبو،
رمز الصبر، والأمل، والفرص المنتظرة.
محمد الأمين لحويج آبيه