تحدى دونالد ترامب جميع التوقعات من اللحظة الأولى لانطلاق حملته الانتخابية منذ أكثر من عام.
فعدد قليل للغاية من اعتقد بأنه سيخوض بالفعل السباق الرئاسي، لكنه خاضه بالفعل. اعتقدوا بأنه لن يتقدم في استطلاعات الرأي، ثم تقدم. قالوا إنه لن يفوز في أي انتخابات تمهيدية، ثم فاز. قالوا إنه لن يفوز بترشيح الحزب الجمهوري، ثم فاز.
وأخيرا، قالوا إنه لا سبيل لقدرته على المنافسة، ناهيك عن الفوز، في أي انتخابات عامة.
والآن، بات ترامب الرئيس الأمريكي المنتخب.
وفيما يلي خمسة أسباب دفعت ترامب إلى تحقيق ما لم يكن متوقعا ومبررا لدى الكثيرين.
الطبقة العاملة
وبدأت المفاجئات تتوالى واحدة تلو الأخرى، إذ ذهبت أصوات الناخبين في أوهايو وفلوريدا ونورث كارولينا إلى ترامب.
وفي نهاية المطاف، اخترق جدار الحماية الأزرق لهيلاري كلينتون.
واعتمدت هيلاري كلينتون في مواجهتها الأخيرة على قوة الديمقراطيين في ولايات الغرب الأوسط الأمريكي، وهي الولايات التي دعمت الديمقراطيين منذ عقود، وهو ما يعود في جزء منه إلى دعم السود والناخبين البيض من الطبقة العاملة.
غير أن هؤلاء الأمريكيين البيض من الطبقة العاملة، لا سيما ممن لا يملكون شهادات جامعية، رجالا ونساء تخلوا عن الحزب بأعداد كبيرة. وأقبل الناخبون في المناطق الريفية بأعداد كبيرة بينما قرر الأمريكيون الذين شعروا بالتجاهل والإهمال من قبل المؤسسة الحاكمة ومن النخبة في الولايات الساحلية إسماع كلمتهم للجميع.
وفي الوقت الذي صمدت فيه ولايات مثل فرجينيا وكولورادو، سقطت ولاية ويسكونسن، وتبددت معها آمال كلينتون نحو البيت الأبيض.
ورغم كل ما قيل أو اتخذ من إجراءات، فإن كلينتون فازت بالاقتراع الشعبي بسبب الدعم القوي في ولايات، مثل كاليفورنيا ونيويورك، وتكبدت خسائر فاقت التوقعات في الولايات الحمراء، التي تعتبر معاقل الجمهوريين، مثل ولاية يوتا.
وبهذا، اخترق ترامب الولايات التي كان يتعين عليها اختراقها، واخترقها بشدة.
صمود أمام الهجمات
وسخر ترامب من السيناتور المخضرم الذي شارك في حرب فيتنام، جون ماكين.
ودخل في عراك مع قناة فوكس نيوز ومقدمة برامجها، ميغين كيلي.
واحتدم الأمر عندما سئل عن سخريته ذات مرة من الفائزة بلقب ملكة جمال الكون.
غير أنه قدم اعتذارا فاترا عندما كشف مقطع فيديو التقط بشكل سري عن تفاخره بالتفوه بعبارات جنسية غير مرغبوبة فيها تجاه النساء.
وظهر ترامب خلال المناظرات الرئاسية الثلاث بصورة تفتقر بوضوح إلى الأداء المتمرس.
فلا شي من هذا يهم. فعندما تراجعت شعبيته في استطلاعات الرأي في أعقاب بعض الحوادث التي أثارت غضبا شديدا، يتعافى ترامب مرة أخرى، ويعود إلى السطح ثانية.
ربما جاءت السجالات المتوالية قوية للغاية وسريعة أيضا بحيث لم يكن هناك وقت لإصابته بالنزيف. وربما كانت شخصية ترامب وقدرته على استمالة الجماهير قوية للغاية، فالفضائح سرعان ما تبددت. ومهما كانت الأسباب، أبدى ترامب قدرة على الصمود أمام الهجمات.
من الخارج
وخاض ترامب السباق بطبيعة الحال ضد الديمقراطيين. وعارض كذلك المسؤولين المتنفذين داخل حزبه.
وهزم ترامب هؤلاء جميعا.
وشيد ترامب عرشا من جماجم خصومه في الانتخابات التمهديدية للحزب الجمهوري، مثل ماركو روبيو وتيد كروز وكريس كريستي وبن كارسون الذين انسحبوا في نهاية المطاف من السباق، بينما بات الرافضون للانسحاب، مثل جيب بوش وحاكم ولاية أوهايو جون كيسيك، في موقف المتفرج يتطلعون الى ما يجري.
لكن ماذا عن البقية المتنفذة داخل الحزب، على رأسهم رئيس مجلس النواب، بول ريان؟ لم يكن دونالد ترامب في حاجة إلى مساعدتهم. وفي الحقيقة، ربما فاز المرشح الجمهوري بسبب استعداده لمعارضتهم.
ومن المرجح أن يكون سلوك ترامب الذي يتميز بالنفور من الجميع قد اثبت استقلاله وقوة موقفه الخارجي في وقت أعرب فيه كثير من الأمريكيين عن سخطهم من واشنطن.
خطابا “كومي”
وخلقت استطلاعات الرأي بوضوح صورة مروعة في التنبؤ بشكل وتفضيلات جمهور الناخبين، لا سيما في ولايات الغرب الأوسط الأمريكي. إلا أنه في الحقيقة كانت استطلاعات الرأي في الأيام الأخيرة من الحملة متقاربة بشأن نجاح ترامب في شق طريقه نحو الانتصار.
ولم يكن هذا الأمر بهذا الوضوح قبل نحو أسبوعين قبل أن ينشر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، جيمس كومي، خطابه الذي أعلن فيه إعادة فتح التحقيق بشأن خادم البريد الإلكتروني الخاص بهيلاري كلينتون.
صحيح أن استطلاعات الرأي كانت متقاربة بعض الشيء، إلا أن صعود ترامب الكبير في الترتيب جاء في الأسابيع القليلة بين ذلك الخطاب الأول وخطاب كومي الثاني الذي قال فيه إنه أعاد التحقيق إلى الأدراج مرة أخرى.
ومن المرجح أن يكون ترامب قد نجح خلال تلك الفترة في تعزيز قاعدته، وإعادة المحافظين الشاردين إلى حظيرة الحزب، وتبديد آمال كلينتون في تقديم رسالة ختامية مقنعة للناخبين في الولايات المتحدة.
وبالطبع، فإن إجراء مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي لم يكن يمثل أي أهمية إذا كانت كلينتون قررت الاعتماد على خادم البريد الالكتروني الخاص بوزارة الخارجية في مراسلاتها كوزيرة للخارجية. فهذا الأمر يقع على عاتقها وحدها.
واثق في قدراته
ترامب خاض السباق بطبيعة الحال ضد الديمقراطيين، وعارض كذلك المسؤولين المتنفذين داخل حزبه
أدار ترامب حملة انتخابية غير تقليدية تماما، لكن اتضح أنه كان يعرف أكثر من جميع الخبراء.
أمضى ترامب وقتا كبيرا بين الجماهير أكثر من متابعة استطلاعت الرأي، وسافر إلى ولايات، مثل ويسكونسن وميتشيغان التي اعتبرها المراقبون بعيدة المنال.
نظم ترامب مسيرات ضخمة بدلا من التركيز على عمليات طرق الابواب وحث الناخبين على التصويت.
وأنفق ترامب اقل بكثير من الاموال مما أنفقته حملة كلينتون، تماما كما فعل خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، وقلب الحكمة الجمعية حول كيفية الفوز بالانتخابات الرئاسية رأسا على عقب.
فكل هذه القرارات، والأكثر بكثير، كان ينظر إليها بسخرية شديدة في الدوائر “المطلعة”.
وفي النهاية، ومع كل هذا، نجحت قرارته، وستكون الضحكة الأخيرة لترامب ودائرته المقربه، كأولاده ومستشاريه القليلين الذين اختارهم، وسيفعلون هذا من داخل البيت الأبيض.
بي بي سي