قبل ساعات من الآن تُوُفِّىَ ابنُ عمنا الشيخُ الصالح أحمدُ بنُ سيديا، الملقب وَدِّيهْ، بنِ أحمد بنِ المصطفى بنِ محمدُّ بن المختار بن الهيبة رحمه الله تعلى، وألحقه وسائرَ سلفنا الصالحين بالرفيق الأعلى، وجعل الفردوس مثواهم أجمعين.
لقد كان رحمه الله وقّافا مع الحق، أمّارا بالمعروف، نَهّاء عن المنكر، مجاهدا فى سبيل الدعوة إلى الله بفكره وقلمه ولسانه، لا تأخذُه فى الله لومة لائم.
وكان من رموز الصحوة والدعوة بالحكمة والموعظة الحسَنة فى أبى تلميت، ومن الأوائل الذين ناصروا الدعوة ووقفوا إلى جانبها بعلمهم وثِقلهم الاجتماعىّ، حتى إنه كان يُعدّ – تقريبا – الشيخ المسِنّ الوحيد الذى كان يحب الدعوة والدعاة، وينافح عنهم فى هذه المدينة. فقد نظر إليها بعض كبار السنّ – عن حسن نية – على أنها بدعةٌ، أو دينٌ جديد، وخُيِّل إليهم أن أهلها دعاةٌ على أبواب جهنم.
درَس الشيخ أحمد القرآن والعلوم الشرعية فى مبتدَإ أمره على جماعة من أهل بيته وعلماء عصره، وزاول التدريس، ودأب على المطالعة والبحث فى مكتبة المعهد العتيق وغيرها، مما مكنه من مسايرة الركب، ومواكبة الأحداث ومعرفة الحقائق. وقد أهّلَه مستواه العلمىّ إلى كتابة رسائلَ ومقالاتٍ وأشعار فى النصح والتوجيه والإرشاد. وقد عرفت الشيخ قديما بِسَمْتِه ودَلِّه وجِدّه، وصرامته، وشدّته فى الحق، وبعلمه وضبطه للأخبار، وعبادته وتقشفه فى ملبسه ومسكنه، وزهده فى الدنيا، وانصرافه عنها، وبحبه للسنة وبغضه للبدع والمحدَثات، وكراهِيَتِه الشديدة للطواغيت والظلَمة، و بربَّانيَّته وخشيته وإنابته وصدقه وإشفاقه على المجتمع من غوائل المعصية والغفلة عن الله.
وكانت لى به منذ مراهقتى عَلاقة قوية، وصِلة لا تنفصم عُراها. فكان يحبنى رحمه الله، ويتعهدنى بالنصح والتوجيه، ويحثنى على طلب العلم. وكنت أسعد بطلعته البهية وكلماته النيرة. وبعد سنين إذا به رحمه الله يحثنى على إلقاء الدروس والمحاضرات والاجتهاد فى الدعوة إلى الله سبحانه.
وقد فوجئت بموته اليوم، رغم معاناته الطويلةـ كتب الله له أجرها ورفع بها درجتَه فى عِلِّيِّين. ولم أتمكن من شهود الصلاة والدفن، للحُمّى التى أصابتنى البارحة، ومنعتنى شهود الصلوات فى الجامع القريب. فتغمد الله الشيخ برحمته، وأنزله بدار كرامته، وحشره تحت لواء النبىّ محمد صلى الله عليه وسلم مع السابقين المقربين، وجعل ذريته خلَفا لا خلْفا، وجبَر كسرنا بفراقه، وبارك فى إخوته وذوِيه وأهل بيته أجمعين، وإنا لله وإنا إليه راجعون.