أعلنت رابطة الشباب للثقافة والفون عن توقيعها رسالة مع مجموعة من الجمعيات الشبابية الثقافية عن تظلمها من طرف وزارة تمكين الشباب
بيــــان تنديد واستنكار

صادر عن مجموعة من الجمعيات الشبابية المتضرّرة
تُعبّر الجمعيات الموقّعة أدناه عن استنكارها الشديد لما وصلت إليه أوضاع تسيير ملفات الشباب ودعم الجمعيات، بعد سلسلة من القرارات والإجراءات التي نراها ـ من موقع الملاحظة الميدانية فقط ـ انحرافاً مؤسفاً عن أبسط مبادئ الجدية، التي كانت، رغم كل شوائب الماضي، حاضرة ولو بقدر معقول.
لقد كان الدعم العمومي في سنوات سابقة يصل إلى مئات الجمعيات، بل يقارب الألف سنوياً، أو في الحد الأدنى سبعمائة جمعية. أمّا اليوم، فقد أصبح عدد المستفيدين لا يتجاوز بضع عشرات فقط وعلى دفعات، في تراجع حاد يثير تساؤلات كبيرة حول منهجية التسيير وحول قدرة الوزارة على الحفاظ على أبسط معايير العدالة والتوازن.
ولا نوجّه هنا اتهاماً مباشراً لأي جهة، غير أنّ الانطباع العام في الوسط الشبابي يؤكد أن طرق اختيار الجمعيات المستفيدة غاب عنها الوضوح، وأن المعايير ـ إن وُجدت ـ فهي بحاجة إلى مراجعة جذرية. ويزيد القلق تفاقماً عندما تستفيد جمعيات معدودة بمبالغ ضخمة تحت عناوين مثل “التحسيس ضد المخدرات”، رغم أن الأنشطة المنفذة كانت أقرب إلى مظاهر احتفالية مرتجلة، لا إلى عمل متخصص أو مهني.
إنّ مكافحة المخدرات ليست حفلات ولا رقصات ولا مباريات متقطعة، ولا يمكن بحال من الأحوال اختزالها في فعاليات سطحية أو صور عابرة. وهذا النهج لا يعبّر عن حرص حقيقي على الشباب بقدر ما يعمّق شعور الإهانة لدى الفاعلين الجادّين، ويثير تساؤلات حول مدى جدية المقاربة المتبعة.
وما يزيد الأمر قتامة هو منح مبالغ معتبرة لقلة قليلة، مقابل فتات يُوزّع على أسماء أخرى لا يظهر أنها اختيرت وفق مسطرة شفافة أو معايير مكتوبة. وإن الشفافية في هذا الباب تحتاج مراجعة شاملة، ليس فقط في الإعلان، بل في الأسس والمنهجيات والآليات التي يتم اعتمادها في كل مراحل الاختيار.
وتعرب الجمعيات الموقّعة عن أسف عميق للابتعاد الصارخ عن روح الجدية التي كانت موجودة سابقاً، رغم وجود ملاحظات حينها. فقد دِيست الجدية بالأقدام منذ بدأ مسلسل لقاء “الفاشينستات” يحلّ محلّ الشباب المكافح، في مشهد لا يشبه رسائل الدولة ولا يليق بدور القطاع المعني في بلد بحاجة لجهد شبابي واعٍ ومسؤول.
إنّ من يرى هذا الواقع كما هو اليوم يصاب بصدمة حقيقية، لأن ما يحدث يمثّل إساءة صريحة لآمال الشباب، ولروح مأمورية الشباب، وللبرنامج الوطني الذي حمله رئيس الجمهورية محمد ولد الغزواني (طموحي للوطن)، والذي كان الشباب يعقد عليه آمالاً كبيرة في الإصلاح والإنصاف. ولا يمكن أن نغفل عن مشهد ظهر للعلن قبل أيام، حين تم افتتاح الموسم الثاني من برنامج “السماح”، وهو برنامج شبابي ضخم يُفترض أن يكون واجهة للقطاع، فإذا به يُفتتح في جو باهت، وبحضور لا يكاد يتجاوز أصابع اليد من الشباب! إنها — بكل المقاييس — كارثة تُجسّد مستوى الارتجال العبثي الذي بات يسم هذا القطاع الحيوي.
وعلاوة على ذلك، نلفت الانتباه إلى أن هذا النوع من المعايير المجحفة لم يُنصف الجمعيات الفاعلة، بل أضرّ بسمعة المشهد الجمعوي، وأرهق ميزانية الدولة، وقلّص من روح التآزر التي كانت تُميّز المجتمع المدني، وأظهر مؤشرات مُقلقة حول تراجع قيمة الإنسان في تعامل المؤسسات مع أخيه الإنسان.
كما نعتبر أن قضية جوائز مؤتمر تمكين الشباب، التي أثارت جدلاً واسعاً، تمثل ـ في نظر أطراف عديدة ـ طعنة جديدة في خاصرة الوطن الرخوة، إذ شعر كثير من الشباب بأن الجهد الحقيقي لم يُقدّر، وأن التكريم لم يحمل معايير مقنعة أو مطمئنة.
ويضاف إلى ذلك قضية إلغاء دفعة من المتطوعين بعد إعلان رسمي عقب اجتماع مجلس الوزراء، في سابقة أثارت استغراب الأوساط الشبابية، وأعطت انطباعاً بغياب الاستقرار في البرامج التطوعية ومحدودية احترام التزاماتها.
كما ننبّه إلى ظاهرة التطوع الشكلي داخل المدارس، حيث يتم تسجيل متطوعين لا يحضرون ولا يؤدون أي واجب فعلي، فيتحول العمل التطوعي إلى ممارسة صورية، بدل أن يكون أداة تربوية تعزز قيم الانتماء والمبادرة.
وعليه، فإن الجمعيات الموقَّعة تعلن:
- تنديدها الشديد باستمرار المقاربة الحالية التي أقصت الجمعيات الجادة وقزّمت دورها.
- الدعوة لإعادة الاعتبار للجدية والكفاءة، بعد أن دُفعتا خارج المشهد تحت وطأة الاستعراضات غير المجدية.
- المطالبة بمراجعة آليات الدعم والاختيار مراجعة كاملة تُعيد الثقة، وتضمن الوضوح، وتحفظ العدالة بين الجمعيات.
- التنبيه إلى أن استمرار النهج الحالي لا يخدم الشباب ولا ينسجم مع رؤية الدولة ولا برنامج الرئيس.
- التحذير من استمرار المعايير المجحفة التي أضعفت العمل الجمعوي وشتّتت الجهود وأرهقت ميزانية الدولة دون نتائج تُذكر.
- الدعوة لفتح نقاش وطني واسع حول جوائز المؤتمرات الشبابية وآليات اختيار ذوي الاستحقاق، حرصاً على الثقة العامة.
- المطالبة بتصحيح مسار البرامج التطوعية وضمان احترام حقوق المتطوعين واستقرار المساطر.
- ضرورة معالجة ظاهرة التطوع الصوري في المدارس وإعادة توجيه الجهود نحو التطوع الحقيقي الذي يخدم الوطن.
إن مستقبل الشباب لا يُبنى بالصور ولا بالتجميل الإعلامي، بل بالعمل الحقيقي، والإنصاف، وفتح الأبواب أمام الفاعلين الميدانيين لا أمام المناسبات العارضة.
والله وليّ التوفيق.
صحيفة المرآة نعكس الواقع كما هو