أخبار عاجلة

الساموري ولد بي /حقوقي و صاحب رأي: موريتانيا وتحديات العيش المشترك و إرساء الدولة المدنيّة المنشودة

15 يوليو,2024 - 12:40

ولدت موريتانيا ككيان مجهول الصفة وبقيت تدار طيلة فترة التربص من السنغال وعاصمتها سينلوي قبل منحها الحكم الذاتي و بعده ، الاستقلال على طبق من ذهب رغم تحديات الطامعين من كل فج و صوب وواكبتها قوة الاستعمار حتى و قفت على رجليها كدولة وليدة تواجه بطبيعة الحال تحديات جمة ومتجذرة منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي تم التغلب على معظمها خاصة الخارجي منها بدعم وبرعاية فرنسا القوة الاستعمارية الحامية لها وسلمت لها السلطة بخصوص سيادة البلد و وتسييرها لشؤونها .
هنا كانت نقطة البداية الوقوف أمام المحك والرهانات والتحديات الكبرى أسندت فرنسا ملف سيادة الدولة واستقلالها لمجموعة من “أولاد لخيام لكبارات ” لإدارة المرحلة الحساسة، تم إبعاد البرلماني سيدي المختار انجاي من هرم نظام الدولة الوليدة بعد أن كان من سنة 1955 حتى 1959 عضوا في البرلمان الفرنسي عن موريتانيا وهو الذي كان يمسك بملفها في تلك الفترة ، وجاء مؤتمر ألاك وتم وضع مسار ، أسس على إعوجاج كبير و مظالم شحيحة لبعض المكونات الوطنية من بينها مكون الحراطين الذي يشكل نصف سكان البلد ، تم تحديد نمط نظام الدولة الوليدة وأنطلق القطار من حينها ، ركابه “أولاد لخيام لكبارات” وحدهم ، وولدت أول حكومة على وزن أخوك أبوك أفوك من المنظومة القبلية التقليدية الرجعية الممارسة للرق والنظرة الدونية الاقصائية لما غيرهم و مازال الحال على حاله.
جاءت محطة القطار الثانية ليوصلنا لبدء الممارسة العملية للسلطة في نطاق منظومة الدولة و مؤسساتها ورسالاتها الخالدة ، و هنا كانت المشكلة، كامنة في ما هو مفهوم الدولة الوطنية و ماهي رسالتها ،حصل من هذا الإرتباك و التخبط و التلكؤ ،الأخطاء الفادحة مما دفع البلاد نحو الانزلاقات و الأزمات العميقة و إلى انهيار منظومة الدولة لصالح المنظومة القبلية الرجعية والاستعبادية التي لا تؤمن إلا بفكر الفوقية و التعالي على الناس استولوا على الدولة واستولوا على كل مقدراتها ونظامها ومصالحها و إقصاء كل المجموعات الوطنية الأخرى و بعد ما تغذت وتعززت القبيلة بنظام سياسي أسس نمطه على الفكر الفلسفي الأيديولوجي القومي الضيق من مميزاته : إكسونوفوبيا والشوفنية والكراهية والعنصرية البغيضة .
وكانت من إفرازاته الخطيرة والمستفزة للآخر ومهينة له و المؤثرة على العيش المشترك و الوحدة الوطنية، تتجلى تلك العوامل بالإنفرادية المطلقة بالدولة ومقدراتها وذلك على النحو التالي :
-غياب عدالة الدولة وعدم تساويها لأفراد المجتمع الواحد ؛
-أستعباد وإستغلال البعض حتى النخاع وإقصاؤه و حرمانه من جميع الحقوق الأساسية ،إقتصاديا وإجتماعيا وسياسيا ؛
-ولتوضيح الصورة أكثر لمن أختفت عليه نوسع الزوم zoom :
2 – جميع رجال الأعمال و المال كلهم من مجموعة واحدة على أساس اللون و العرق
3- جميع رخص الصيد أو التنقيب ؛
4- جميع المقاولين و الموردين
5- جميع مديري المؤسسات الكبرى وحتى الصغرى ؛
6- كل المشاريع الكبرى والصغرى لنفس المجموعة
7- كل الاراضى المفيدة سواءا في الحضر أو الريف ، احتووا عليها
8- كل البنوك والمؤسسات الخدمية ؛
9- كل الناقلين و أصحاب السفن التجارية وسفن الصيد البحري ؛
10- 99% من موظفي الدولة وأصحاب الرتب السامية (مسؤلين إداريين ،ولاة و حكام…)
11- الجيش الوطني لم يكن جيشا جمهوريا لأن كل أصحاب الرتب السامون من نفس المجموعة مثلهم مثل الشرطة ومدارس الامتياز (المدرسة الوطنية للإدارة ،مدرسة الضباط بأطار ،مدرسة صغار الجيش مراكز التكوين polytechniques , و المنح و الاكتتاب )…محصورة أساسا لبياض البشرة ؛
12- التعيينات في دوائر الدولة 99% لنفس المجموعة
13-الصفقات القروض البنكية أيضا
14- 99% من السجناء هم من أصحاب البشرة السوداء.
هذه صورة قاتمة عن ما هو واقع في هذا البلد و عن ما يعيشه البعض من ظلم وتعسف و إستهداف في الصميم دون ناه أو منتهي.
أنا أسمي هذا النظام بنظام الميز العنصري البغيض وأنتم ما ذا تسمونه إن لم يكن كذلك ؟
أليست هذه الوضعية مهددة للأمن والإستقرار و كينونة الدولة و المجتمع وتسبب في الاصطدامات بين المجموعات الوطنية بل مع الدولة الوطنية الغير عادلة و الغير منصفة ؟ الدولة التى تسلب الحقوق الأساسية من أصحابها و تقتل و تنتهك أعراضهم و كرامتهم. ،ألا يؤدى ذلك إلى ردود فعل متعصبة يمكن تفاديها من خلال إرساء العدالة و المساواة وتوزيع عادل للسلطة و الثروة الوطنية وإشراك كل أبناء المجتمع دون تمييز فى تسيير شؤون البلاد؟
ألا يكفي ظلما و عدوانا وانتهاكا لحقوق البعض !! ، ألا يكفي من سياسات الغبن والحرمان و الإقصاء و الإستعباد و النظرة الكراهية التهكمية ؟ هذه الممارسات والسياسات الممنهجة التي خلقت العديد من الأزمات والأحداث الأليمة و القاسية وشديدة الخطورة و التي كاد بعضها أن يمزق كينونة الدولة و المجتمع من بينها أحداث : 1966 / 1974/ 1986 /1989-1990 / كل هذه الأحداث وغيرها كثيرة والمليئة بالآلام والأحزان كان بعضها يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية حيث أن أطفالا دفنوا مع أمهاتهم و آبائهم أحياء في مقابر جماعية في عملية تصفية عرقية واسعة النطاق ،شرد فى نطاقها مئات الآلاف من أصحاب الأرض على أساس العرق و سواد البشرة في بلد كل سكانه يدينون الدين الإسلامي.
هذه الأحداث التي تتواصل بنفس الوتيرة و آخرها أحداث اغتيالات كيهيدي إثر الانتخابات الرئاسية ألأخيرة 29/06/2024 ، التي قتل فيها أربع من الشباب على يد قوى الأمن ، ونترحم على ارواحهم مثل ما قتل الحقوقي الصوفي و آخرين فى مخافر الشرطة و الأمثلة تطول،كل هذا خلف دونما شك جروحا عميقة فى ذاكرة الأمة ، مازلنا عاجزين على التغلب على آثارها المؤلمة.
و أثرت كثيرا هذه الأوضاع على الوحدة الوطنية و الوئام وعلى جو التعايش السلمي و التلاحم بين مكونات المجتمع ، ضف إلى ذلك زرع الكراهية والحقد وإنعدام الثقة كل هذا بفعل من تولوا على السلطة و لم يحسنوا تسييرها الرشيد وإستباحوا دماء البعض بقوة الدولة بدل منّ تسخير تلك القوة في إرساء دولة القانون الضامنة لحقوق الجميع دون تمييز ، وتوفير الهناء و الاطمئنان والسلم والرفاه للكل على حد السواء ، الشيء الذي حدث عكسه مع الأسف من خلال التسيير الأحادي و سياسة الحرمان والإقصاء و ممارسة الكراهية والفكر الضيق بشكل ممنهج مع التلاعب بالقيم الإسلامية و بالقيم الجمهورية .
فى تصوري أنا ، أن هذه الوضعية المتعقدة و المتجذرة والتي تهدد كينونة الدولة و المجتمع، تتطلب حوارا وطنيا جادا يفضي إلى معالجة الإختلالات الهيكلية و مرتكزات الدولة الوطنية المنهارة، حوارا بعيدا عن الحزبية وسياسات التملق والنفاق وديمقراطية موريتانيا المزيفة والعقيمة .
نحن اليوم في بلد غابوا فيه العقلاء و غابت فيه النخبة الحية وغابوا فيه الفقهاء وغابوا فيه أصحاب الدين الرشداء و أصحاب الرأي الحكماء وأيضا أصحاب الضمائر الحرة الوطنيين ، الجميع تمت معسكرتهم و تدجينهم ، بمعنى أننا بلد جسم بلا روح وبلا ذاكرة ، تلاعبه الرياح على أرض أشباح فوق حقل من البؤر .
ونرى أيضا أن قبل تصحيح هذه الأوضاع والاختلالات المخلة في جوهرها ، لا فائدة من التطرق لأوضاع البلاد المزرية على كل الأصعدة و الشلل الكلي الذي عطل وظائفها و يوقف الحياة العامة للدولة جراء سوء الحكامة و غياب إدراك مفهوم الدولة الوطنية لدى القائمين على شؤونها.

الساموري ولد بي /حقوقي و صاحب رأي
أنواكشوط يوم 15/07/2024

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى