قد يكون العنوان بالنسبة للمعنيين به حكما مسبقا وسريعا.. ولكن ليس ببهتان ولا بتهمة بلا بينة.. إذ أنني من أهلها وكنت شاهدا على ما سأكتبه ومشاهدا لما سأكتب عنه..
فلا يماري أي أحد في أن الدولة في الوقت الحالي تمتلك أذرعا إعلامية لم تكن لدى غيرها من الحقب الفائتة.. ضخت فيها من الموارد والوسائل ما لم تشهده ميزانية التلفزة في أي فترة مضت.. لحاجة هذا النظام لإعلام وطني مسؤول اكثر من أي وقت مضى يمتلك المهنية والقدرة على تسويق سياسات النظام وتقديم إنجازاته للجمهور ..
ففي العهود السابقة كانت مهمة الإعلام الرسمي تختزل في تضخيم المنجز وتهويله وصناعة من الحبة قبة باستخدام اللغة الخشبية وأدواتها.. ومع ظهور هذه الطفرة التقنية وظهور وسائط إعلام أكثر قربا وسرعة وسهولة ما تزال معظم مؤسسات الإعلام الرسمي وخصوصا التلفزة شبه غائبة عن الركب وعاجزة عن أداء رسالتها ومهمتها .. بل إننا نشاهد في نشرات الموريتانية “المطورة” عودة الى أسلوب التملق والتزلف وحضور تلك اللازمة التي لاكتها الالسن ومجتها الاسماع: “بتوجيهات صاحب الفخامة وتنفيذ حكومة معالي الوزير”.
وكما تعود المشاهد للموريتانية فإن نشرة الأخبار رغم تطورها وما يبذل فيها من تكاليف إرسال ونقل مباشر فإن الصورة فيها لا تزال كما هي وجوه من خشب تستعرض كل مساء وكأنها تدفع فاتورة مقابل ذلك.. فرغم الإرادة السياسية لتفعيل دور الاعلام ورغم ارتفاع الموارد المخصصة للتلفزيون .. يبدو جليا أن “التلفزة الموريتانية” لم تستجب للطموحات، أو أنه ربما لم يُفهم المطلوب منها تحديدا، فما تزال الصورة مشوشة ومهزوزة، وتقنيات التحرير والتقارير الإخبارية تنبع منها نفس الرائحة ونفس الطعم الذي كانت تعالج به العهود السابقة في طريقة أدائها ومضمونها.. وبوصفي إعلامي “تربص” ذات مرة في تلك المؤسسة الاعلامية، وكغيري من الموريتانيين المقيمين خارج الوطن يتابعون برامج ونشرات الموريتانية، بحثا عن ما يربطهم بالوطن، فأجزم بأنني ما لمست أي تغيير يذكر في لغة الخطاب ولا زاوية الطرح، بل ثمة بعض المحاولات الخجولة التى لا تستمر، وكأن ثمة قوة تمنعها أو كأن واضعي استراتيجية عمل التلفزيون لا يعرفون توجيه البوصلة ..
وفي خطوة توسعية جديدة حاولت الادارة الجديدة أن يكون للتلفزة الموريتانية حضور في محتلف ولايات الوطن عبر نشر مكاتب في الداخل ولكن ظلت تلك المكاتب مجرد خطوة مرتجلة من دون أداء يذكر .. بسبب هشاشة الفرق التي انتدبت للمهمة، فلا تكاد ترى أو تسمع الا تقاريرا وتحاليلا بنفس المحتوى الضعيف والغير مخطط له، هي أقرب في مضمونها إلى أسلوب تفسير الماء بأنه الماء، أو من باب “اشترى بصلا وباع بصلا”. ففي كل مساء يطالعك نفس الإخراج ونفس الاسلوب، حين يستضيف لك مقدم النشرة زميلا له من عين مكان، ليعيد إليك ما كان يقراه في تقريره لا فرق إلا في تفكيك الأفكار واختلاط الالفاظ… اللهم الا من له تجربة، وقد يكون السبب في ذلك أن أغلب المراسلين هم هواة تم اكتتابهم بطريقة الوساطة والقرابة وشيء آخر.. رضوا بأن يكونوا عنصرا لملأ فراغ وأبطال شاشة في عملية تقليد مكشوف.. هذا الاسلوب الذي حاولت الموريتانية ان تجعل منه تطورا في ادائها وطريقا لوصولها إلى المشاهد، ما كان له أن يكتب له النجاح، ولم يكن بحجم ما كان منتظرا من إدارتها الجديدة، فلا هي وصلت إلى مستوى الطموح الذي يليق بمستوى الإنفاق.. ولاهي تركت التسلق إلى مستوى الفضائيات، وصدقت مع مشاهديها، تماما كما يقال تشبه مشية “عيشه رخمه” ذلك الطائر الذي حاول تقليد مشية النعامة دون ان يمتلك مقوماتها، فلا هو اتقن مشية النعامة ونسي مشيته الاصلية..
متى يدرك المسؤولين عن هذا الصرح الاعلامي الذي يتم تمويله من المال العام حجم هدر الطاقات والتراجع في الأداء؟ فمتى يوقفون نزيف هدر المال العام عبر “الموريتانية”.. وهل يدركون “أن ما خفي أعظم”؟؟
بقلم الإعلامي : محمد عبد الله فتى