استوقفتني حرب الوثائق الأخيرة بين التكتل والاتحاد، وما نجم عنها من حرب شعواء بين أنصار الطرفين على الصفحات الزرقاء، لن أقف عند الأرقام التي يسوقها الطرفان فلست خبيرا في الاقتصاد السياسي أو حتى ضليعا بعلم الإحصاء والاقتصاد التطبيقي اللذين يصمتون هذه الأيام صمت القبور رغم أن هذا السجال يعنيهم أكثر من غيرهم ، قد نلتمس لهم العذر بأن خبراء الاقتصاد عادة عمليون منضبطون وليسو غوغائيين كأهل السياسة وأنصارهم ومطبليهم لكن لأنهم جزء أصيل من هذا الوطن وهمومه تعنيهم وهذا وقت التصريح وليس مجرد التلميح بأن الوطن على شفير الهاوية.
باختصار شديد وبعيدا عن السياسة استغرب حقا أن يتحدث أي كان بوثيقة أو بغيرها عن تقدم وازدهار في بلد نعرف جميعا الحالة الكارثية التي وصل إليها!!
استغرب حقا أن يجرؤ أي موريتاني مهما كان منصبه أو انتمائه السياسي على إعطاء أرقام تؤكد أن “الاقتصاد بخير وأن المواطنين يعيشون برخاء وهناء في دولة العدالة الاجتماعية وارفة الظلال”
محل الاستغراب في هذا المقام ليس فقط لأن هذا كذب وافتراء إنما لأن القائل به مساهم مباشر في إفقار هاذ الشعب واللعب بثرواته وإيصال السواد الأعظم منه إلى مدارك الذل والحرمان الاقتصادي والاجتماعي.
القائل بهذا الطرح لم يتجول قطعا في أحياء الترحيل ولم يشاهد طوابير المتسولين أمام المراكز التجارية ،لم يرى الأعرشة وأشباه الخيام التي لاتصلح لسكن الآدميين التي تنبت كالفطر هنا وهناك ويقطنها مواطنون موريتانيون لا أعرف لأي درجة يمكن تصنيفهم يعيشون بلا ماء ولا كهرباء ولا صحة ولا تعليم بل حتى بلا وثائق تثبت انتمائهم إلى هذا الوطن المبجل الذي تحدثت عنه وثيقة الإفك والبهتان.
أيها السادة في مدننا وحواضرنا وبوادينا، مواطنون موريتانيون يحتاجون إلى كل شي ،من ملبس ومأكل ومشرب يعيشون كالبهائم محرومون حتى من حقوق البهائم التي يكفلها الرفق بالحيوان ، بدون أدنى أمل في مستقبل أفضل ومع ذلك يأتينا من يتحدث عن المؤشرات الاقتصادية الجيدة وانخفاض معدلات التضخم وارتفاع معدل النمو وغيرها من المصطلحات العصية على فهم أولائك البسطاء المعدمين الذين يعنيهم الحصول على خبز الصباح أكثر من مؤشرات الاقتصاد ويعتقدون أن التضخم يعني السمنة أو التخمة.
تتحدث وثيقة الاتحاد بلا خجل أو مواربة عن ” الإنجازات العملاقة في مجال البنية التحتية” مع أن عاصمة البلاد غارقة حتى أذنيها في مياه الأمطار التي تحاصر حتى مؤسسات الدولة ووزاراتها والشوارع الرئيسية في المدينة التي تتغنى وثيقة الاتحاد بجمالها ومفتاحها وشوارعها الفسيحة وكأنها تتحدث عن سيدني أو نيويورك أو لندن أوباريس.
أي حديث عن “البنية التحتية أو الفوقية “سيصدقه مواطن بسيط غارق في الكدر والطين وتحاصر المياه الآسنة بيته وترغمه على تغيير فراشه كل شهرين، مواطن يسمع منكم كل يوم كذبة عن الصرف الصحي حتى بات يحلم بهذا المشروع في منامه ثم يستيقظ في اليوم التالي على حقيقة أن مستوى المياه أمام منزله قد ارتفع وأن المياه باتت آسنة أكثر وأن سبب الحمى الملازمة لابنته الصغيرة هو البكتريا الناجمة عن المياه الراكدة.
بلا أدنى ذرة مسؤولية وفي احتقار لكل الموريتانيين تتحدث وثيقة الاتحاد عن “الحرب على الفساد” وتصف الانتصار فيها كما لو أنها كانت “غزوة بدر”
بكل صفاقة يجرؤون على الحديث عن الفساد وحربه يوما واحدا بعد الإفراج عن محاسبة مشروع “فينكر” التي سرقت لوحدها مليارا من حقوق الفقراء والمعدمين والتي شهد وزير ماليتهم على رؤوس الأشهاد وأمام عدسات المصورين بأنها سرقت مليارا من الأوقية ثم أفرج عنها بجرة قلم بعد أسابيع من الراحة والاستجمام في ما اعتبر سجنا بينما كان في الحقيقة منتجعا متكامل الخدمات.
ينسبون لأنفسهم الفضل في محاربة الفساد رغم أنه ظهر في البر والبحر وعن يمنيهم وعن شمائلهم، ظهر الفساد في كل القطاعات ومن الأمثلة البسيطة عليه فضيحة الأسمدة في روصو التي طالت رجال أعمال مقربين من الرئيس ومتهمين بالتحايل على أسمدة مملوكة لعامة الشعب بمبلغ تجاوز مليارين من الأوقية ورغم أنه ثبت بالدليل القاطع تورطهم خرجو منها كالشعرة من العجين وأقيل المحقق الذي تولى القضية وأغلق الملف وكأن شيئا لم يكن، فهل هذه هي حربكم على الفساد؟
يتحدثون في تجرد تام من الأخلاق عن الحرية والكرامة الانسانية والعدالة بين الناس، وفي سجونهم يقبع شباب في عمر الزهور بتهمة “محاولة رمي وزير كذاب بحذاء خفيف ” نعم هذه هي تهمة الشيخ باس وصحبه حتى بعد كل التكيفات الجنائية والقانونية، بينما لم يحاسب ابن الرئيس الذي أطلق الرصاص متعمدا من سلاحه الشخصي غير المرخص على فتاة وسبب لها شللا في الأطراف السفلية وإعاقة دائمة تلازمها مدى الحياة، لم يقضي زهاء يوم واحد في السجن لأن عدالتنا انتقائية تعرف تماما التميز بين الغفير والمدير.
بعد كل مانرى ونسمح ونعيش من ذُل وفقر وحرمان بسببكم لاتملون من التلفيق وقلب الحقائق.
تكذبون وتكذبون وتكذبون وتصدقون ما تكذبون به علينا وتنسون في كل مرة أنكم كذبتم علينا وتعيدون الكرة مرة بعد مرة فبالله عليكم إلى متى تكذبون؟