أخبار عاجلة

*صيحة الفجر؛ جحيم لا يطاق* *أحمد أبو زهري*

16 نوفمبر,2019 - 22:17

IMG-20191116-WA0069    جولة جديدة من المواجهة أشعلت حالة من التلاوم بين القيادات والمستويات الصهيونية، وخلقت واقعا مختلفا وتباينا واضحا في القراءات، وأثارت دهشة غير عادية مما يجري في مسار العمليات، فقد خالفت كل التقديرات
وكسرت روتين العمل لتفضي إلى صورة جديدة من التكتيك النوعي والتفوق العملياتي.

فما الذي تغير؟! وما هو حجم التفوق؟! وهل صحيح أن المقاومة خالفت تقديرات العدو؟! وكيف يمكن عدُّ ما حدث في الميدان تكتيكًا جديدًا صدرته المقاومة؟!

لا شك أن العدو الإسرائيلي كان متأهبا ومتهيئًا لرد المقاومة ويضع في حساباته الدخول في جولة من التصعيد، لكن القناعة لديهم أن هذه الجولة ستكون محدودة كما ونوعا، وسيتم إلجامها والحد من قدراتها من خلال سلاح الجو الإسرائيلي.

وأنه بذلك لن يكون مضطرًّا لإخلاء مستوطنات أو رفع حالة الطوارئ؛ لكونه يمكن أن يُعد حدثًا لم يرقَ لمستوى الخطر الشديد؛ فما جرى أن المقاومة الفلسطينية وفى مقدمتها (سرايا القدس) بدأت بإطلاق الصواريخ منذ اللحظة الأولى، وبقعة الزيت تمددت بتسارع فغطت مستوطنات “الغلاف”، ثم انتقلت إلى غالب المدن الصهيونية المحتلة.

لم يكن هناك تقطير للصواريخ؛ بل ذهبت صليات ورشقات الصواريخ موحدة لتضرب أهدافًا مركزة؛ الأمر الذي أدى لإشغال (منظومة القبة الحديدية) وتعطيل وظيفتها الحيوية، فأصبحت كشاهد الزور وهي خاملة وعاجزة عن القيام بحالة الدفاع، فتساقطت حولها الصواريخ، بل أصابتها بعض الصواريخ.

وبدت القبة كالعجوز الهرم الذي خارت قواه في وجه المارد المقتحم، جنّ جنون العدو. حاول تهدئة “الجبهة الداخلية” بوسائل دعائية مختلفة بالحديث حول أهمية العملية وقدرة الجيش على التصدي ومهاجمة المخربين وأنه قادر على لجم المقاومة الفلسطينية.

لكن وخلال لحظات بدأت حالت التلاوم واتهام نتنياهو بأنه يقامر ويخاطر بمواطني الدولة من أجل مكاسب سياسية خاصة به وهروبا للأمام من ملاحقات قضائية تطارده، وأنه أدخل إسرائيل في أجواء من الرعب تمثلت في إخلاء المستوطنات ونزول الملايين في الملاجئ لأيام.

ليس هذا فقط؛ بل توقفت المدارس والمصانع وتوقف نشاط مرافق الدولة جميعها، حتى المدن الرئيسة لا يري فيها إلا سيارات الإسعاف والفرق الخاصة بالمعالجة النفسية والتي كانت تتنقل بناءً على استغاثات متكررة من المستوطنين.

وعلى الرغم من استمرار العدوان والقصف الشديد للأهداف في غزة إلا أن سلاح الجو (أصيب بالعمى)؛ فالصواريخ تطلق ساعة بساعة وتحت مرأى الطائرات الحربية والاستطلاعية المختلفة، وهذا ما دفع العدو لاستهداف المدنيين وارتكاب المجازر المروعة، وهذا نتيجة عجزه ومحاولاته المستمرة في كسر عنق المقاومة ومحاولة شل أركانها.

نعم فشلت إسرائيل فكان هدف اغتيال بهاء أبو العطا وقف الهجمات الصاروخية وإزالة خطره المتنامي، فتنامى الخطر باغتياله، وخرجت صيحات الصواريخ ترسم جحيما لا يطاق. حينها أدركت إسرائيل أن هناك آلاف النماذج في القطاع يحفظون سيرة أبو العطا ويحفظون عهده ليس فقط في صفوف (الجهاد الإسلامي) بل في كل صفوف الأجنحة المسلحة.

فأدخلت على الفور بدائل من أساليب الحرب النفسية لإشاعة الهزيمة والنيل من معنويات المقاتلين، وبدأت بضخ سيل من الأكاذيب والمواد الدعائية الموجهة لمحاولة (تفتيت الموقف الموحد)، وإظهار الجهاد بأنه منفرد ومنعزل ويقاتل وحيدا بعيدا عن باقي المكونات الوطنية.

فتلقت إسرائيل صفعة أخرى حين سجلت المقاومة مواقف وطنية جامعة تمثلت في (تصريحات الفصائل) وبيانات العمل المشترك، والتي تنطلق من رؤية وأهداف غرفة العمليات المشتركة، فاستطاعت بذلك إرباك العدو وإفشال مخططه الخبيث.

إنها المرة الأولى التي تقف إسرائيل فيها عاجزة عن التمدد في العدوان، وتكون فيها مقيدة عن استهداف شامل وهجوم واسع يطال جميع الأهداف بالقطاع فكانت تتعرض للضربات لكنها لا تزال متخوفة من رفع سقف النار ودخول وسائل قتالية جديدة.

هذا إلى جانب خشيتها من دخول حماس لهذه المعركة، والذى ربما ينقل المشهد إلى جولة بالغة الخطورة قد تصل إلى حافة الحرب، الأمر لم يكن يستدعي أن تظهر حماس وذراعها العسكري (كتائب القسام) جليًّا في هذه الجولة لكنها كانت قريبة بما يكفي من الجهاد وفى حالة استعداد، وتثق تماما بقدرات الجهاد على إلحاق الأذى بالعدو وتحقيق نقاط جديدة لصالحها،

ويبدو أن المقاومة معنية بالظهور بهذا الشكل؛ فترتيبات الميدان لن يفهمها عابر سبيل أو محلل متنطع أو حديث السن في مجال العمل المسلح، حتى إسرائيل تضاربت تقديراتها هل كانت تقف حماس خلف الجهاد في المواجهة وهل إسرائيل تعرضت للخداع؟!

فعلا ليس كل ما يعلم يقال، ويبقى ما يجرى في دهاليز الميدان وما يتم من مشاورات بعيدة عن الأضواء في (صندوقًا أسودَ) لا حاجة لإشباع العامة بتفاصيله، والمطلوب إبقاء العدو حائرا يتخبط.

المهم أن المقاومة الفلسطينية لم تدخل كل قدراتها في هذه الجولة، واستخدمت قدرات متواضعة وإمكانات تقليدية على الرغم من تحقيقها حالة ردع مناسبة، وهذا يعكس مدى المسؤولية الوطنية وحالة الوعي الجمعي لدى فصائل المقاومة وحرصها على خفض حجم النار والتصرف وفق ضرورات الميدان ومنع انزلاق الأوضاع نحو الحرب لتجنيب أبناء شعبنا حربًا وعدوانًا شاملًا.

فالأنظار لا تزال تتطلع هناك حيث الهدف الإستراتيجي الكبير والمشروع الوطني الأعظم (المعركة الفاصلة) التي أعدت لها سرايا القدس وكتائب القسام وباقي القوى الفلسطينية، والتي يمكن أن تكون معركة التحرير أو إحدى أهم المعارك المؤدية لها، لذلك ادخرت الإمكانات والقدرات الإستراتيجية ومنع العدو من جرنا واستنزافنا في معارك جانبية.

فإذا ما وقعت معركتنا الكبرى حينها تتحرك الوحدات البحرية والبرية والجوية والسبرانية وغيرها من المفاجآت، ويتشكل خط نار من حدود جغرافية مختلفة تتعامد مع النيران المنبعثة من فلسطين، لتتفجر الجبهات في وجه إسرائيل وتبصر السماء مشاهد حصرية تشفي قلوب الملايين من العرب والمسلمين.

احمدابوزهري  كاتب ومحلل سياسي من غزة

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى