أخبار عاجلة

صبرا وشتيلا.. جريمة العصر الحديث برواية أحد الناجين

18 سبتمبر,2014 - 11:49

صور (+18) ... الإبادة الجماعية في صبرا وشاتيلا  صادق يوم الثلاثاء، السادس عشر من ايلول ذكرى مجزرة صبرا وشتيلا عام 1982 حينما استيقظ لاجئو (صبرا وشاتيلا) على أحدى أكثر الفصول دموية فى تاريخ الشعب الفلسطيني، بل من أبشع ما كتب تاريخ العالم بأسره بحق حركات المقاومة والتحرير.
صدر قرار تلك المذبحة برئاسة رافايل إيتان رئيس أركان الحرب الإسرائيلي وآرييل شارون وزير الجيش آنذاك فى حكومة كان يرأسها “مناحيم بيجن”.
بدأت المذبحة فى الخامسة من مساء السادس عشر من أيلول حيث دخلت ثلاث فرق إلى المخيم كل منها يتكون من خمسين جنديا، وأطبقت تلك الفرق على سكان المخيم وأخذوا يقتلون المدنيين بلا هوادة، أطفالٌ فى سن الثالثة والرابعة وُجدوا غارقين في دمائهم، حواملُ بُقِرَت بُطونهنّ ونساءٌ تمَّ اغتصابهنَّ قبل قتلِهِنّ، رجالٌ وشيوخٌ ذُبحوا وقُتلوا، وكل من حاول الهرب كان القتل مصيره! نشروا الرعب فى ربوع المخيم وتركوا ذكرى سوداء مأساوية وألماً لا يمحوه مرور الأيام في نفوس من نجا من أبناء المخيمين.
في ذلك الوقت كان المخيم مطوقا بالكامل من قبل جيش لبنان الجنوبي والجيش الإسرائيلي الذي كان تحت قيادة ارئيل شارون ورافائيل أيتان، أما قيادة القوات المحتلة فكانت تحت إمرة إيلي حبيقة المسؤول الكتائبي المتنفذ. وقامت القوات الانعزالية بالدخول إلى المخيم وبدأت بدم بارد بتنفيذ المجزرة التي هزت العالم ودونما رحمة وبعيدا عن الإعلام وكانت قد استخدمت الأسلحة البيضاء وغيرها في عمليات التصفية لسكان المخيم العزل وكانت مهمة الجيش الإسرائيلي محاصرة المخيم وإنارته ليلا بالقنابل المضيئة.
ماهر علي أحد الناجين
في تقارير صحفية انتشرت سابقا عن شهود عيان شهدوا المذبحة يروي ماهر علي الذي عايش أحداث المذبحة بالقول: “رأيت عشرات الجثث أمام الملجأ القريب من بيتنا، ظننت في البداية ان القصف قضى عليهم، بدأ القصف بعد مقتل بشير الجميل، كنا في المخيم خائفين من قدوم الكتائب والانتقام منا، لم ننم تلك الليلة وكان الحذر يلف المخيم”.
هذا ما رواه ماهر علي مرعي – أحد الناجين من مجزرة صبرا و شاتيلا – وهو يصف ما حدث ليلة السادس عشر من أيلول 1982، قال: “رأيت الجثث، أمام الملجأ مربوطة بالحبال لكني لم افهم، عدت إلى البيت لأخبر عائلتي، لم يخطر في بالنا أنها مجزرة، فنحن لم نسمع إطلاق رصاص، أذكر أني رأيت كواتم صوت مرمية قرب الجثث هنا وهناك، ولكني لم أدرك سبب وجودها إلا بعد انتهاء المجزرة، كواتم الصوت “تتفندق” بعد وقت قصير من استخدامها، ولذا يرمونها، بقينا في البيت ولم نهرب حتى بعد أن أحسسنا أن شيئا مريبا يحدث في المخيم”.
رفض والدي المغادرة بسبب جارة أتت للمبيت عندنا، وكانت أول مرة تدخل بيتنا، زوجها خرج من المقاتلين على متن إحدى البواخر ولم يكن لديها أحد، فقال أبى لا يجوز أن نتركها ونرحل، كان اسمها ليلى، كانت الجثث التي رأيتها أمام الملجأ لرجال فقط، ظننا أنا ووالدي أن الملجأ كان مكتظا فخرج الرجال ليفسحوا المجال للنساء والأطفال بالمبيت واخذ راحتهم، فماتوا بالقصف”.
كنت ذهابا يومها لإحضار صديقة لنا – كانت تعمل مع والدي – تبيت في الملجأ، كانت تدعى ميسر، لم يكن لها أحد هي الأخرى، كان أهلها في صور أراد أبي أن يحضرها لتبيت عندنا، قتلت في المجزرة مع النساء والأطفال، رأيت جثتها في ما بعد في كاراج أبو جمال الذي كان الكتائبيون يضعون فيه عشرات الجثث، بل المئات، كان المشهد لا يوصف عندما دخل “الإسرائيليون” إلى بيروت الغربية كنا نعتقد أن أقصى ما قد يفعلونه بنا هو الاعتقال وتدمير بيوتنا، كما فعلوا في صور وصيدا وباقي الأراضي التي احتلوها”.
اذكر أنى ذهبت صباح يوم المجزرة – وكان يوم الخميس في 16 أيلول – مع مجموعة كبيرة من النساء والأطفال لإحضار الخبز من منطقة الاوزاعي سيرا على الأقدام (كان عمري 14 عاما). كنا “مقطوعين” من الخبز وليس لدينا ما نأكله، رفض أصحاب الأفران يومها أن يبيعونا، كان الخبز متوفرا ويبيعونه إلى اللبنانيين فقط مع انه كان متوفرا بكثرة”.
عدنا إلى المخيم فلم نستطع الدخول، اذ كانت الطرقات المؤدية إلى المخيم جميعها مقطوعة، وكان “الإسرائيليون” يقنصون من السفارة الكويتية باتجاه مدخل المخيم الجنوبي.
عند تقاطع هذا المدخل وبئر حسن، كان هنالك قسطل مياه مكسور، وكان أهالي المخيم يعبئون منه الماء رغم القنص، رأيت عند قسطل المياه “إسرائيليا” من أصل يمني يقتل فتاتين فلسطينيتين، لأنهما وبختا فلسطينيا ارشد “الإسرائيلي” إلى الطريق التي هرب منها أحد الذين يطاردونهم، هكذا قالت أم الفتاتين التي كانت معهما وهربت عند بدء إطلاق الرصاص. حاول أهل المخيم سحب الفتاتين فقتل رجلان وهما يحملان جثتيهما، – قنصهما “الإسرائيليون” من السفارة – ثم ما لبث أهل المخيم أن سحبوهما بالحبال.
كان شارون أمام عيني
يومها رأيت “أرييل شارون” في هليكوبتر أمام السفارة، أحسست انه قائد “إسرائيلي” كبير، لم أكن أعرف من هو إلا بعد أن رأيته على شاشات التلفزيون بعد انتشار أخبار المجزرة، تمكنا بعد ذلك من العودة إلى المخيم في المساء كانت القذائف المضيئة تملا سماء المخيم، هنا، بدأ صوت ماهر يرتجف عندما اخذ يخبرني ما حصل في بيتهم تلك الليلة – أي الخميس وهو أول يوم في المجزرة.
قال ماهر: “عندما أخبرت والدي عن الجثث، طلب منا أن نلزم الهدوء وألا نصدر أي صوت، تتألف عائلتنا من 12 شخصا، ستة صبيان و أربع بنات وأبى و أمي، كان اخواي محمد واحمد خارج البيت وهما اكبر مني سنا، الباقون كانوا في البيت وكانت جارتنا ليلى عندنا، قرابة الفجر، صعد أخي إلى السطح مع ليلى كي تطمئن على بيتها، كان النعاس قد غلبنا أنا وأبى – إذ بقينا ساهرين ننصت إلى ما يجري في الخارج ونسكت أختي الصغيرة التي كانت تبكي من وقت لآخر. لم نشعر بصعود ليلى وأختي إلا عندما نزلا”.
كنتا خائفتين فقد رآهما المسلحون، ما هي إلا لحظات حتى بدأنا نسمع طرقا عنيفا على الباب، عندما فتحنا لهم اخذوا يشتموننا وأخرجونا من البيت ووضعونا صفا أمام الحائط يريدون قتلنا.
أرادوا إبعاد ليلى إذ ظنوا أنها لبنانية لأنها شقراء، وابعدوا أختي الصغيرة معها لأنها شقراء هي الأخرى وظنوا أنها ابنة ليلى، رفضت ليلى تركنا، أخذت أختي تصرخ وتمد يديها إلى أمي تريد “الذهاب” معها، كان عمرها اقل من سنتين وكانت ما تزال تحبو، في تلك اللحظة، كان جارنا حسن الشايب يحاول الهرب خلسة من منزله، فاصدر صوتا وضجة أخافتهم، كان هناك شاب من بيت المقداد يطاردهم ويطلق عليهم النار ويختبئ، كان اسمه يوسف، لمحته تلك الليلة عدة مرات، اعتقد انهم ظنوا في تلك اللحظة أن الضجة صادرة عنه، لذا أدخلونا إلى البيت وهم يكيلون لنا الشتائم، طلبوا من والدي بطاقة هويته، وما أن أدار ظهره ليحضرها حتى انهال الرصاص علينا جميعا كالمطر لم اعرف كيف وصلت إلى المرحاض واختبأت فيه وفي طريقي إلى المرحاض وجدت أخي الأصغر إسماعيل فأخذته معي و أقفلت فمه. رأيت من طرف باب المرحاض كل عائلتي مرمية على الأرض، ما عدا اختي الصغيرة.
كانت تصرخ وتحبو باتجاه أمي وأختي وما أن وصلت بينهما حتى أطلقوا على رأسها الرصاص فتطاير دماغها وماتت. إسماعيل وأنا لم نتحرك.
لزمنا الصمت فترة. لم اعد أستطيع التنفس، فحاولت بلع ريقي لاستعادة تنفسي وكنت مترددا في فعل ذلك، إذ كنت – عادة – اصدر صوتا عندما أبلع ريقي وخفت أن يسمعوا الصوت ويأتوا لقتلي، وبالفعل، عندما فعلت كان صوت البلع مسموعا من شدة السكون الذي سطر على البيت لكنهم لم يسمعوني، فقد خرجوا بعد أن نفذوا جريمتهم. كان كل شيء ساكنا، أمسكت الباب كي لا يتحرك لانه كان يصدر – في العادة – صريرا. خفت ان يسمعوه فيعودوا ورحت أحركه ببطء شديد، كما اعتقدت انهم ربما لاحظوا غيابي وانهم سيعودون لقتلي، لذا انتظرت بعض الوقت، وعندما تيقنت من خروجهم وعدم عودتهم خرجت من المرحاض وأبقيت إسماعيل فيه.
بدأت أتفقد عائلتي، والدتي تظاهرت بداية بالموت وكذلك أختاي نهاد وسعاد، ظنا منهما أنى كتائبي، ولكن، والدي وباقي اخوتي “الخمسة” وليلى كانوا جميعا أمواتا، كانت أمي مصابة بعدة طلقات وكذلك نهاد وسعاد، أمي ونهاد تمكنتا من الهروب معي وإسماعيل، بينما سعاد لم تستطع لان الطلقات أصابت حوضها وشلت.
أخذت انبه الناس لما يجري، فكثيرون كانوا ما يزالون في بيوتهم، ولا يدرون بشيء، اختبأنا في مخزن طحين ثم ما لبثوا ان اكتشفوا امرنا فهربنا مجددا، أطلقوا الرصاص علينا، هربت وعلق إسماعيل ولم يجرؤ على عبور الشارع كان في الثامنة من عمره، عدت إليه وأمسكت بيده وهربنا معا، ثم ما لبثنا أن وجدنا جمعا حاشدا من النساء والأطفال كانوا يجرونهم إلى المدينة الرياضية حيث يتمركز “الإسرائيليون” فانضممنا إليهم”.
48 ساعة من القتل المستمر وسماء المخيم مغطاة بنيران القنابل المضيئة، أحكمت الآليات الإسرائيلية إغلاقَ كل مداخل النجاة إلى المخيم فلم يُسمح للصحفيين ولا وكالات الأنباء بالدخول إلا بعد انتهاء المجزرة في الثامن عشر من أيلول حين استفاق العالم على مذبحة من أبشع المذابح فى تاريخ البشرية ليجد جثثاً مذبوحة بلا رؤوس و رؤوساً بلا أعين ورؤوساً أخرى محطمة ! ليجد قرابة 3000 جثة ما بين طفل وامرأة وشيخ ورجل من أبناء الشعب الفلسطيني والمئات من أبناء الشعب اللبناني ملقية على جنبات الشوارع، والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم، ما هومصير المنفذين؟!

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى