أصبحت مقتنعا بأنه لن يصلح أمر بلادنا إلا باختيار رئيسة جمهورية (أنثى)، بعد أن جربنا 9 رؤساء ونصف، خلال نصف قرن من عمر دولتنا..!!
أعرف أن الكثيرين سيدخلون “الخنادق” للدفاع عن بعض الآراء المتحجرة، وأنهم سينصبون “المنجنيق”، ويبرون النبال ويخرجون السيوف “المهندة” من أغمادها، لتسفيه هذا الرأي، بل وتجريمه، وستبدأ “القنابل (الفكرية) العنقودية”، التساقط هنا وهناك، محاولة حرق هذا الرأي، ودفنه قبل أن يصبح “منكرا” مشاعا، وستعود تلك “الأغاني” القديمة إلى الواجهة، حيث سينتشي البعض طربا على أنغام من قبيل (المرأة كلها عورة)، و(لعن الله امرأة رفعت صوتها ولو بالقرءان)، و(ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، و(المرأة تقتل إذا قاتلت)، و(المرأة من بيتها إلى قبرها)،و(المرأة ناقصة العقل والدين)..!!
نعم سيثير هذا الرأي ضجة كبرى، وسنحتاج حوارا وطنيا جديدا بشأنه (ومعارضة محاورة وأخرى مقاطعة)، هذا إذا لم نذهب إلى “دكار” للبحث عن اتفاق جديد حوله..!!
وسيكون من الصعب الاتفاق على أن تتولى امرأة رئاسة الدولة الموريتانية، لاعتبارات اجتماعية وثقافية وتقليدية عديدة، وحتى لو تم الاتفاق (على مضض) بهذا الشأن فستكون هناك عقبات أخرى، تتعلق بلونها، وعمرها، ووضعيتها الاجتماعية، ومستواها الثقافي والجمالي.
ستكون هناك آراء متباينة – حد الانقسام – حول البحث عن رئيسة للبلاد، فالمرأة “تحت الخمسين” سيرفضها البعض، لاعتبارات عديدة منها أنها تفتقر للتجربة، ثم أنها قد تكون صاحبة “اهتمامات” تتناقض مع تسيير الشؤون العامة..!! والمرأة “فوق الخمسين” قد يرى البعض أنها غير مناسبة، لأنها في حكم “الكهلة” التي هي في الموروث الشعبي مثل المؤسسة العسكرية عندنا في علاقتها بالحكم، ف(من السهل “التفاهم” معها ولكن من الصعب “الافتصال” معها)، وعندما ترفض “الكهلة” الذهاب عن الحكم بعد انتهاء “مأموريتها” فستدخل البلاد منعرجا خطيرا من الناحية السياسية والأمنية والاجتماعية طبعا، ثم من يضمن أن “الكهلة” الرئيسة لن تستقر في إحدى الدول الشقيقة أو الصديقة، وترفض إنهاء زيارتها لتلك الدولة، وتقرر البقاء فيها (مع بعض أعضاء الوفد الرئاسي) لأنها – من وجهة نظرها – أحسن مأكولات، وألطف هواء، وجيدة للعلاج من “الحموضة”، و”آلام المفاصل”، و”البلغم”، ونحو ذلك ( من المحتمل جدا أن يكون رأسها “متدقدقا”)..!!
وبغض النظر عن عمر الرئيسة فسيكون الخلاف كبيرا حول وضعيتها الاجتماعية، فالكثيرون لا يفضلون رئيسة متزوجة، لأنها قد تفرط(براء مكسورة مشددة) في الشأن العام، وتهتم فقط بالمنزل، أو تفرط(براء مكسورة غير “مشدودة”) في تسيير الشأن العام على حساب المنزل وتلك مشكلة حقيقية، ولا يقبل البعض برئيسة مرضع، لأن وقتها قد يأخذه الاهتمام بالطفل، فقد تقطع اجتماعا للحكومة لإرضاع ابنها، أو ترفض استقبال السفير الأمريكي لأن الطفل يبكى كثيرا، أو تصطحب الطفل إلى اجتماع الحكومة، فيعبث – مضغا أو حبوا – بالبيانات التي من المفترض تقديمها إلى الاجتماع من طرف وزير الشؤون الخارجية ووزير الداخلية، هذا إذا لم يتطوع وزير ب”تسكاته” فينشغل عن تقديم عرض عن نشاطات قطاعه..!! وربما طال عبث الطفل لائحة “التعيينات” و”التنازلات” و”التنقيبات” و”المصادقات” فلا يكون للاجتماع بيان ختامي، وهو ما ستجد فيه الصحافة مادة دسمة طوال أسبوع أو شهر كامل من القيل والقال..!!
وعندما يتعلق الأمر برئيسة مطلقة فإن أوضاع البلاد ستصبح صعبة للغاية، فالرئيسة ستنشغل كثيرا بأمورها الشخصية، والتفكير في العودة لبيتها، أو البحث عن بديل آخر، فيضيع الشأن العام وتعجز الرئيسة (سيقال حتما في الصحافة والصالونات وربما في اجتماع الحكومة أو القمة العربية الطارئة إنها”غائرة”) عن تسييره..!!..
وبالنسبة للمرأة غير المتزوجة فإنها لا تروق للكثيرين سياسيا، إذ أن بقاءها أمام المرآة لعدة ساعات، وذهابها إلى “ضاربة الرمل” يوميا (بحثا عن “زين السعد”) واهتمامها بالموضة، أمور قد تربك الشأن العام، فلا يمكن لسفير فرنسا – مثلا- البقاء ثلاث ساعات في الانتظار لتستقبله الرئيسة بعد أن “تتحفل” (على راحتها)، كما أنه لا يمكن لرئيس أجنبي أن ينتظر في المطار حتى خروج الرئيسة من الحمام أو الفراغ من “الحنايات”، وليس من المناسب أن يقف رئيس أجنبي في المطار لعدة ساعات في انتظار توديعه من قبل رئيسة منهمكة “تتيرى رأسها”، وتضع اللمسات الأخيرة (أو الأولى) على منظرها الخارجي..!!
ويطرح شكل المرأة “الرئيسة” مشاكل أخرى، فعندما تكون جميلة فإن عامة الناس قد لا ترضى بذهابها إلى الخارج( البرانيين) لتكون فريسة لأعين واهتمامات نظرائها “الأجانب”، ورؤية صورها المثيرة في الصحافة الدولية، أما عندما تكون قليلة أو متوسطة الجمال فإنها ستكون مثارا للسخرية، وقد تفشل في إقامة أية “علاقات” أو عقد أية اتفاقات مع نظرائها، أو استجلاب التمويلات الأجنبية، وسيشعر مواطنوها بالحرج البالغ من رؤيتها وهي في المؤتمرات و”المناسبات” الدولية..!!
ورئيسة مثقفة قد لا تخدم أهداف الدولة الموريتانية، حيث ستكون مصدر عقدة للرؤساء الأجانب الأقل حظا من التعليم وهم كثر في العالم، ومنهم والعياذ بالله من لا يحمل حتى شهادة ميكانيكي “مصلح عجلات” (استحقاقية تطبيقيا وليس نظريا)، بينما المرأة غير المتعلمة لا يمكنها تمثيل البلاد في المحافل الدولية، فقد يمثلنا رجل جاهل، فالرجال يتمتعون أحيانا بقوة شخصية زائدة، موجودة ربما لدى بعض النساء، ولكن بدرجة أقل.
ويبقى أيضا أن الرئيسة ستثير جدلا محليا بانتمائها الجهوي، فعندما تكون “جنوبية” فلن يعرف الناس ما الذي دار في اجتماعها مثلا مع رئيس “انيوزيلاندا” ففي المؤتمر الصحفي المشترك ستقول بكثير من التلميح وقليل من التصريح إن هناك أمورا تم نقاشها وأمورا لم يتطرق لها النقاش، وأن هذا الرئيس رئيس “فوقه وتحته”، وأنه “لا يأتي فوق الظن ولا تحته”، وهو “صالح من الصالحين” وأن هناك أمورا عالقة وأخرى تم التغلب عليها،و أن “العلاقات” بين الدول مثل موج البحر “مرة يخبط تراب الحاشية ومرة يتقاعس إلى الوراء”،وأنه رئيس يحب “العيش المشترك”، وأنه قبل زيارة موريتانيا، وسيزورها “عندما يقدر الله له ذلك”، أما عندما تكون “شرقية” فستتحدث بصراحة زائدة عن لقائها مع رئيس “قبرص” الذي ستقول للصحفيين إنه “غير متنسوي”، وأنه ليس سخي الكف، وأنه “هامين لمراد”،وأنه “ماه مسيرى” و”ما أعليه تقي”، وأن موقفه من فلسطين لا يعجبها، وأنه بلا شخصية ففي كل مرة يرفع السماعة وكأن هناك من “يلقنه”، وأن هذه آخر زيارة ستقوم بها لهذا الرئيس “المتوشوش”، وأنها لم تطلب منه زيارة موريتانيا ف”يكفيها منه ذلك”..!!
مهما كان شكل الرئيسة ولونها وثقافتها ووضعها الاجتماعي، فإنها على أية حال كامرأة أنثى ستكون رحيمة بالموريتانيين، ولن تدخل البلاد أزمة من أي نوع، وستمنعها عاطفتها وقلبها الرحيم وحنانها الفطري (و راحاتها البيولوجية) من الدخول في حرب إقليمية، وستتنازل عن الرئاسة (خاصة إذا لم تكن “كهلة”) بمجرد إحساسها بان هناك من يفكر في الاستيلاء على السلطة بالقوة، كما أنها يقينا لن تبدد ثروات البلاد في أمور تافهة، حتى وان استحدثت صندوقا خاصا ب”تلميع وجه الدولة الموريتانية”، الذي يكفيه لمعانا أن تصرف ميزانية الصندوق في كل ما من شأنه “شعشعة” الرئيسة، وظهورها في أبهى زينة، وأجمل ملحفة، وأكثر لمسات التجميل رومانسية، ومن الأكيد أن الحكومة ستعمل بجد في ظل الرئيسة، فلا يوجد رجل وزير يحب الظهور أمام امرأة رئيسة بمظهر اللص أو الفاسد أو المتهاون في عمله بل ربما كان هناك تنافس بين الرجال الوزراء على قلب الرئيسة، كذلك الذي يكون بين ضباط المؤسسة العسكرية على “قلب” نظام الحكم..!!
أليس بمقدورنا أن نجرب رئيسة واحدة، بعد أن علمتنا التجربة أن معظم رؤسائنا الرجال لم يقوموا بمهامهم الرئاسية على أكمل وجه..؟!
إن رئيسة واحدة للبلاد من أصل 9 رؤساء ونصف، لا تفي حتى بأهداف “الكوتا” التي يناضل الديمقراطيون و المجتمع المدني “النسائي” في سبيلها،والتي تتطلب – على الأقل- رئيستين أو أربع رئيسات، ودعونا من لفظة “ثلاث” فهي محرمة في قاموس النساء.