منذ فاتح أغسطس 2019، برزت لأول مرة في التاريخ السياسي الموريتاني سابقة غير معهودة تمثلت في إرساء مبدأ “الهدوء السياسي” كخيار استراتيجي انتهجه فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني فور تسلمه مقاليد الحكم، في بلد كانت الصراعات السياسية عائقا متكررا أمام التقدم.

هذه النظرة الحكيمة ألقت بظلالها على مجمل الفعل السياسي، إذ تميزت أول لقاءاته مع الفاعلين السياسيين بروح توافقية جعلت الجميع يخرج مقتنعا بأن أسلوبا جديدا وهادئا يتشكل، سيفسح المجال أمام مشروع تنموي غير مسبوق، في مناخ سياسي اتفق الجميع على خطوطه العريضة، رغم اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم.
لقد مهدت هذه الرؤية لظهور أرضية سياسية جديدة لم يألفها الساسة من قبل، حيث أصبح المشهد السياسي مختلفا شكلا ومضمونا، وهكذا وجد الجميع أنفسهم أمام واقع جديد صنعه أحد رجالات موريتانيا البررة، واضعا السياق السياسي في مساره السليم بعد أن رسخ معالم جديدة للفعل السياسي الهادئ والبناء.
وفي هذا الخضم أفضت التشاورات السياسية المبكرة إلى تشاور سياسي هادئ خلال المأمورية الأولى، أعقبته خطوة تاريخية تمثلت في تشكيل لجنة مستقلة للانتخابات بتوافق وطني واسع، وهو مشهد فريد صنع حكامة سياسية من طراز رفيع، حظي بإشادة مختلف الفاعلين السياسيين، وقد أسفر عن تنظيم أول انتخابات برلمانية في مناخ من السكينة والتوافق، أفرزت برلمانا متنوعا يقود العمل التشريعي بروح وطنية جامعة.
وقد خرج الفاعلون السياسيون من هذه التجربة كل برؤيته الخاصة، غير أنهم أجمعوا على أن هذا المسار السياسي الهادئ أسس لأرضية مشتركة يمكن البناء عليها لتطوير العمل السياسي وتمهينه.
جاء القانون الخاص بالأحزاب السياسية ليضع معايير جديدة أكثر مرونة، فكان ركنا من أركان المأسسة السياسية المتينة، التي تكفل الحقوق وتحدد الواجبات.
وانطلاقا من ذلك حمل القانون رقم 001-25 تعديلات جوهرية على شروط إنشاء الأحزاب وسيرها وحلها.
تأتي هذه الإصلاحات بعد 35 سنة على صدور القانون السابق، والذي بات من الضروري ملاءمته مع الأوضاع الاجتماعية والسياسية المستجدة.
وقد انطلق التشاور حول هذه الإصلاحات عبر أيام تشاورية شارك فيها مختلف الفاعلين، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني، وتواصل النقاش حول الصيغة النهائية للوثيقة التي تمخضت عنها تلك الأيام.
وعلى الأبواب حوار مرتقب دعيت إليه كافة الأطياف السياسية، يجري الإعداد له بتوافق نادر، يهدف إلى صياغة حوار شامل يرسم من خلاله مستقبل الحياة السياسية في البلاد، ويضع خارطة طريق تعالج مختلف الركائز الأساسية، لتخرج بنتائج جامعة تبنى عليها منظومتنا الحكامية في الحاضر والمستقبل.
إنها مأسسة سياسية جديدة تمضي قدما في تناغم بديع بين التأسيس والتكريس، بنيت ونظمت عبر تشاور عميق قاده الفاعل السياسي الوطني، ليصبح المشهد السياسي بهذه السلاسة والرصانة، ينتج الفعل السياسي بتؤدة وحكمة عبر شراكة سياسية ناضجة ترسم معالم منظومة سياسية شاملة، جامعة لمختلف الآراء والتوجهات.
يأتي التحضير لهذا الحوار بعد عام على الانتخابات الرئاسية سنة 2024، التي مثلت تزكية انتخابية شعبية لنهج فخامة رئيس الجمهورية، وتجديدا للعهد مع مشروعه الوطني الجامع، الذي يضع التنمية في قلب الفعل السياسي.
لقد كانت تلك الانتخابات علامة فارقة في مسيرة الدولة، إذ شهدت البلاد بعدها نقلة نوعية في شتى المجالات التنموية والاقتصادية والبنى التحتية.
شقت الطرق، وشيدت الجسور، وأنشئت المراكز الصحية والتعليمية، في ترجمة حية لوفاء الشعب الموريتاني لرئيسٍ أحدث ثورة هادئة في مجال تدخل الدولة لرعاية الفئات الهشة، وتوفير ظروف عيش كريم لها، وضمان رعايتها تعليميا وصحيا.
لقد استفادت فئات واسعة من الشعب الموريتاني في العهد الراشد لفخامة رئيس الجمهورية، من مظلة الرعاية والتأمين الصحي، لتتجسد بذلك قيم العدالة الاجتماعية على أرض الواقع.
السيد ولد سيدي ولد الهاشم