مساء الإثنين 31 اكتوبر الماضي تلقت مصالح الشرطة الوطنية بولاية نواكشوط الغربية إبلاغا من طرف تاجر موريتاني يفيد بفقدانه نحو 71 مليون اوقية (قديمة) إثر عملية سطو تعرض لها دكانه الواقع في السوق المركزي بنواكشوط والذي يستخدمه كمحل صيرفة لتبديل وتحويل العملات.
بعد المعاينة الابتدائية من طرف عناصر الشرطة المختصين والتأكد من حدوث عملية سطو على المحل بدأت التحقيقات بتشكيل فريقَيْ تحقيق من الشرطة يعمل الأول منهما على المستوى المعلوماتي ويتولى التحقيق وتجميع المعلومات وتحليلها؛ بينما يعمل الفريق الثاني على المستوى العملياتي ويقوم بحصر هويات المشتبه بهم ومتابعة ورصد تحركاتهم والأماكن التي يُحتمل تواجدهم فيها؛ كما يرسم معالم وخطط التحركات المستقبلية لعناصر الشرطة المكلفين ميدانيا بالرصد والمتابعة.. الخ
في البداية كشفت التحقيقات الأولية أن العملية حدثت في حدود الساعة العاشرة من مساء السبت على الأحد (ليلة الأحد) 30 اكتوبر 2022؛ وأظهرت المعاينة الميدانية ودراسة مسرح الجريمة أنها تمت من طرف شخصين يتميزان بالبراعة في التخطيط والتنفيذ، وهو ما صعِّبَ عملية تفكيك لغز هذه الجريمة بشكل كبير.
وبالرغم من كل الاحتياطات والإجراءات الاحترازية التي أحاط بها المعنيان عمليتهما إلأ أن فريق التحقيق المختص تمكن من تضييق البحث بشكل كبير إلى حد حصرِ دائرة الاشتباه في شخصين فقط من مئات المشتبه بهم.
وباستمرار التحقيق والمتابعة أمكن الوصول وتحديد هوية المشتبه به الأول (يحمل الاسم المستعار “البكاي”) وبدأ البحث عنه؛ ثم تواصلت التحقيقات الميدانية ليتم الوصول أيضا إلى شريكه الآخر في مقاطعة دار النعيم. كما تمكنت الشرطة أيضا من الحصول على صور شخصية للإثنين قامت بتوزيعها على كل نقاط التفتيش التابعة لمختلف القطاعات الامنية والعسكرية على جميع المحاور الطرقية التي تربط العاصمة نواكشوط بولايات الداخل.
وصلت المحققين معلومة تفيد بأن المشتبه الرئيسي “البكاي” قد شوهد منذ ساعة واحدة وهو يخرج من العاصمة نواكشوط في طريقه الى الشرق؛ فتمت إعادة تعبئة نقاط التفتيش على المحور الطرقي نواكشوط – بوتلميت لتتمكن وحدة من الدرك الوطني العاملة على نفس المحور مساء السادس والعشرين من شهر نوفمبر المنصرم من التعرف على المشتبه به وهو داخل أحد باصات النقل في طريقه إلى المناطق الشرقية للوطن فقامت بإنزاله من الباص وتوقيفه لفترة حتى التأكد من هويته ومن ثم قامت بتحويله إلى الإدارة الجهوية لأمن ولاية نواكشوط الغربية التي أبلغت النيابة العامة ثم أمرت بتحويل المعني إلى مفوضية الشرطة القضائية بالولاية ذاتها.
بعد ساعات قليلة تم القبض بمقاطعة دار النعيم على المشتبه به الثاني وهو يتأهب لمغادرة نواكشوط؛ وذلك بعد التأكد من ضلوعه في العملية، وتم اقتياده إلى مفوضية الشرطة المذكورة حيث بدأ التحقيق الأولي مع الإثنين وجها لوجه وكلٌ على حدة.
وقد بيّنتْ التحقيقات ان الإثنين خططا لعمليتهما بشكل محكم وقررا القيام بها في التاريخ المبين أعلاه، وعند حلول موعد التنفيذ حضرا إلى السوق في ملابس تنكرية وبقيا مختبئين تلك الليلة في السوق إلى غاية الساعة العاشرة حيث شرعا في تنفيذ الجريمة بواسطة أدوات كانت مخبأة في محل يعود للمشتبه به “البكاي” في السوق ذاته، حيث قاما بتكسير الأقفال والسطو على المبالغ المالية المذكورة اعلاه؛ ثم وضعاها في حقائب كانت موجودة داخل المحل عينه.
بعد ذلك خرجا من المحل وصعدا إلى الطابق العلوي المهجور وقاما بإفراغ الحقائب من النقود ووضعاها في خنشة مهترئة لا تلفت الانتباه وادخلاها الى أحد المحال المهجورة في السوق، ثم وضعا جنبيهما في مصلى السوق منتحلين هيأة حراس لتأمين السوق من الداخل.
فجر اليوم الموالي قاما باستبدال ملابس العملية وأخذا مبالغ قليلة من الخنشة وخرجا كلٌ في طريقه الخاص وبشكل لا يلفت انتباه التجار أو رواد السوق.
بعد لقاء بينهما في منزل المشتبه به “البكاي” قررا أن يتولى الأخير استجلاب المبلغ المسروق إلى منزله على شكل دفعات؛ وهو ما تم بالفعل إلى ان أصبح المبلغ كاملا في منزل المشتبه به “البكاي”.
وللمرة الثانية تم عقد اجتماع بين المعني وشريكه لدراسة السبل الأمثل لصرف المبالغ الضخمة بحوزتهما دون لفت الانتباه؛ واستقر رأيهما على أن يغادر المشتبه به الثاني أنواكشوط إلى مقاطعة كوبني بولاية الحوض الغربي ويبقى على المناطق الحدودية لمدة سنة وكأنه يقوم بأنشطة تجارية هناك.
وبالفعل سافر المعني إلى المنطقة المذكورة لكنه لم يبق فيها كثيرا حيث سارع للعودة إلى نواكشوط دون تنسيق مع شريكه “البكاي” الذي فوجىء به يعود من دون إشعاره مسبقا، فقام بالاتصال به وتقابلا ليبلغه أن الشرطة تحقق في الموضوع وأنها قد تصل إليهما قريبا، وعليه ان يبتعد عنه وأن لا يحاول الإتصال به لكنه هو (اي البكاي) سوف يتولى تنفيذ المخطط وسيسافر وبحوزته المبلغ ويتصل به حين تقتضي الحاجة ويتأكد انه لم يعد محل شك.
وقد تم تنفيذ التعديل الجديد في خطة الإثنين وسافر المشتبه به “البكاي” فعلا قبل ان تقبض عليه نقطة تفتيش الدرك الوطني كما ورد اعلاه.
تم تحرير المضبوطات بحوزة المشتبه به “البكاي” وهي – في البداية – عبارة عن مبلغ خمسة وستين مليونا وخمسمائة ألف أوقية (قديمة) مع مبلغ آخر من الدينار التونسي.
وبتواصل التحقيقات مع المشتبه بهما ضبط المحققون بحوزتهما أيضا بعض الأحراز الأخرى التي لها علاقة بالعملية، منها ملف عقاري لقطعة أرضية اشتراها المشتبه به “البكاي” بعد عملية السرقة ومعها هاتف من نوع آيفون وآخر من نوع سامسونغ اهداه لشريكه في العملية.
هذا وما يزال المشتبه بهما لدى الشرطة في انتظار تحويلها الى النيابة العامة فور اكتمال مسطرة الاجراءات.